الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
108 -
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» . أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ.
(1)
109 -
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أَفْضَلُ» . رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
مسألة [1]: حكم غسل الجمعة
.
• في المسألة قولان مشهوران:
الأول: الوجوب، وهو قول أبي هريرة، وأبي سعيد، وعمر بن الخطاب،
(1)
أخرجه البخاري (858)، ومسلم (846)، وأحمد (3/ 60)، وأبوداود (341)، والنسائي (3/ 92)، وابن ماجه (1089) ولم يخرجه الترمذي فتنبه، وإنما أشار إليه عقب الحديث (492).
(2)
ضعيف. أخرجه أحمد (5/ 15)، وأبوداود (354)، والترمذي (497)، والنسائي (3/ 94) من طريق الحسن، عن سمرة بن جندب به. وقد اختلف في سماع الحسن من سمرة والراجح أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وبقية الأحاديث من صحيفة وجدها عند أولاد سمرة، والذي يظهر أن ذلك لا يفيده الصحة؛ لعدم معرفتنا لصحة ذلك الكتاب، وسمرة له ولدان: سليمان وسعد وكلاهما مجهول.
وللحديث شواهد من حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس، وكلها شديدة الضعف لا تصلح لتقوية الحديث. انظرها في «نصب الراية» (1/ 88 - 93).
تنبيه: ابن ماجه لم يخرج هذا الحديث عن سمرة، وإنما أخرجه في «سننه» (1091) من حديث أنس، وفي إسناده يزيد الرقاشي، وهو متروك، وإسماعيل بن مسلم المكي وهو شديد الضعف، وقد توبع إسماعيل عند الطحاوي، فبقيت العلة في يزيد، والله أعلم.
وعمار، حكاه عنهم ابن المنذر في «الأوسط» (4/ 40 - 41)، وهو ثابتٌ عنهم غير عمار، وهو قول الظاهرية، ورواية عن أحمد، ونقله ابن المنذر عن الحسن البصري، ومالك بن أنس، ورجحه ابن حزم في «المحلَّى» ، وهو ترجيح الشيخ ابن عثيمين، والشيخ مقبل الوادعي، وغيرهما.
واستدل هؤلاء بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي في الباب، وبحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في «الصحيحين»
(1)
: «من أتى منكم الجمعة، فليغتسل» .
وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «حقٌّ على كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده» ، متفق عليه.
(2)
وبحديث حفصة رضي الله عنها: «على كل محتلم رواح الجمعة، وعلى كل من راح الجمعة الغسل» ، رواه أبو داود (342)، وهو في «الصحيح المسند» .
الثاني: الاستحباب، وهو قول جمهور أهل العلم، وقال به من الصحابة: ابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم، كما في «الأوسط» لابن المنذر (4/ 41) وهو ثابت عنهما.
واستدل الجمهور بحديث سمرة الذي الباب، وبحديث أبي هريرة في «صحيح مسلم» (857) (26): أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من توضأ، فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، واستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، ومن مس الحصا فقد لغا» .
(1)
أخرجه البخاري برقم (894)، ومسلم برقم (844).
(2)
أخرجه البخاري برقم (897)، ومسلم برقم (849).
واستدلوا بحديث ابن عمر، وأبي هريرة في قصة عمر مع عثمان حين دخل عثمان يوم الجمعة، وعمر يخطب، فأنكر عليه عمر تأخره، فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن توضأت، بعد أن سمعت النداء، ثم أقبلت. فقال عمر: والوضوء أيضًا، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يأمر بالغسل. وفي رواية أبي هريرة: وقد علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من جاء منكم الجمعة، فليغتسل» .
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في «الصحيحين»
(1)
، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في «مسلم»
(2)
، واستدلوا على الاستحباب بحديث عائشة في «صحيح مسلم» (847)، قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من العوالي، ويصيبهم الغبار، فتخرج منهم الريح، فأتى رسولَ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إنسان منهم، وهو عندي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا» ، وفي رواية:«لو اغتسلتم يوم الجمعة» ، قالوا: فإذا زالت العلة، زال الوجوب.
ورجح القول بالاستحباب الإمام ابن باز رحمه الله كما في «فتاواه» (10/ 171 - 173).
والراجح -والله أعلم- هو القول بالوجوب.
وأما الردُّ على أدلة الجمهور، فكما يلي:
أما حديث سمرة؛ فالرَّاجح ضعفه، وأما حديث أبي هريرة في «مسلم»: «من توضأ يوم الجمعة
…
»، فقد قال الحافظ رحمه الله في «الفتح»: يحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب، فاحتاج إلى إعادة الوضوء. اهـ
(1)
أخرجه البخاري برقم (878)، ومسلم برقم (844)(3).
(2)
أخرجه مسلم برقم (845).
وعندي جواب آخر، وهو: أنَّ المراد بإحسان الوضوء، أي: الوضوء الذي مع الغسل؛ لأنَّ مسلمًا قد أخرج حديث أبي هريرة رضي الله عنه (857)(26) من طريق أخرى بلفظ: «من اغتسل يوم الجمعة، ثم أتى
…
»، الحديث، وكلا الإسنادين من طريق أبي صالح، وأخرجه ابن خزيمة (1803) بإسناد صحيح من طريق المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه بذكر الغسل لا الوضوء؛ فإن صحَّ هذا التوجيه، وإلا فرواية:«من اغتسل» أولى؛ لموافقتها لبقية الأحاديث في المعنى، ولموافقتها حديث سلمان في «البخاري» (883) باللفظ، والمعنى، والله أعلم.
وأما استدلالهم بقصة عمر، وعثمان رضي الله عنهما، فقد قال الشوكاني رحمه الله في «النيل»: فما أراه إلا حجة على القائل بالاستحباب، لا له؛ لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل من أعظم الأدلة القاضية بأنَّ الوجوب كان معلومًا عند الصحابة، ولو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب؛ لما عوَّل ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره، فأي تقرير من عمر، ومن حضر بعد هذا، ولعل النووي، ومن معه ظنُّوا أنه لو كان الاغتسال واجبًا؛ لنزل عمر من منبره، وأخذ بيد ذلك الصحابي، وذهب به إلى المغتسل، أو لقال: لا تقف في هذا الجمع، واذهب فاغتسل، فإنَّا سننتظرك. أو ما أشبه ذلك، ومثل هذا لا يجب على من رأى الإخلال بواجب من واجبات الشريعة، وغاية ما كُلِّفْنا به في الإنكار على من ترك واجبًا هو ما فعله عمر في هذه الواقعة، على أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل
أول النهار؛ لما ثبت في «صحيح مسلم»
(1)
عن حمران مولى عثمان، أنَّ عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء، وإنما لم يعتذر لعمر بذلك كما اعتذر عن التأخر؛ لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة، وقد حكى ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه أن قصة عمر، وعثمان تدل على وجوب الغسل، لا على عدم وجوبه، من جهة ترك عمر الخطبة، واشتغاله بمعاتبة عثمان، وتوبيخ مثله على رؤوس الناس، ولو كان الترك مباحًا؛ لما فعل ذلك عمر.
وأما استدلالهم بحديث عائشة، فلا يُسَلَّمُ لهم بأنها إذا زالت العلة زال الوجوب، كما حصل في السعي، والرمي، قال الشوكاني: وكم لهذا من نظائر، لو تتبعت؛ لجاءت في رسالة مستقلة.
وقال الحافظ رحمه الله في «الفتح» : وأُجيب عن حديث عائشة بأنه ليس فيه نفي الوجوب، وبأنه سابق على الأمر به، والإعلام بوجوبه.
قال الشوكاني رحمه الله في «النيل» : وبهذا تبين عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة على عدم الوجوب، وعدم إمكان الجمع بينها، وبين أحاديث الوجوب؛ لأنه، وإن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يمكن بالنسبة إلى لفظ واجبٍ، وحقٍّ إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله، ولا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أنَّ أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدمها؛ لأنَّ أوضحها دلالة على ذلك حديث سمرة، وهو غير سالم من مقال، وأما بقية الأحاديث، فليس فيه إلا
(1)
أخرجه مسلم برقم (231).