الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
137 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ اليَهُودَ كَانَتْ إذَا حَاضَتِ المَرْأَةُ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(1)
138 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(2)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
مسألة [1]: جماع الحائض، ومباشرتها
.
قال الإمام النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (3/ 208 - 209): فَاعْلَمْ أَنَّ مُبَاشَرَة الْحَائِض أَقْسَام: أَحَدهَا: أَنْ يُبَاشِرهَا بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْج؛ فَهَذَا حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، بِنَصِّ الْقُرْآن الْعَزِيز، وَالسُّنَّة الصَّحِيحَة.
القِسْم الثَّانِي: الْمُبَاشَرَة فِيمَا فَوْق السُّرَّة، وَتَحْت الرُّكْبَة بِالذَّكَرِ، أَوْ بِالْقُبْلَةِ، أَوْ الْمُعَانَقَة، أَوْ اللَّمْس، أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَهُوَ حَلَال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء، وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد الْإِسْفَرَايِينِي، وَجَمَاعَة كَثِيرَة الْإِجْمَاع عَلَى هَذَا، وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَبَيْدَة السَّلْمَانِيّ، وَغَيْره، مِنْ أَنَّهُ لَا يُبَاشِر شَيْئًا مِنْهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ فَشَاذّ، مُنْكَر، غَيْر مَعْرُوف، وَلَا مَقْبُول، وَلَوْ صَحَّ عَنْهُ؛ لَكَانَ مَرْدُودًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة الْمَذْكُورَة فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَغَيْرهمَا فِي مُبَاشَرَة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَوْق الْإِزَار، وَإِذْنه فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَبْل الْمُخَالِف وَبَعْده.
(1)
أخرجه مسلم برقم (302).
(2)
أخرجه البخاري (300)، ومسلم (293). واللفظ للبخاري.
القِسْم الثَّالِث: الْمُبَاشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة، وَالرُّكْبَة فِي غَيْر الْقُبُل وَالدُّبُر، وَفِيهَا ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا:
أَصَحّهَا عِنْد جَمَاهِيرهمْ وَأَشْهَرهَا فِي الْمَذْهَب: أَنَّهَا حَرَام.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَة كَرَاهَة تَنْزِيه، وَهَذَا الْوَجْه أَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيل، وَهُوَ الْمُخْتَار.
وَالْوَجْه الثَّالِث: إِنْ كَانَ الْمُبَاشِر يَضْبِط نَفْسه عَنْ الْفَرْج، وَيَثِق مِنْ نَفْسه بِاجْتِنَابِهِ إِمَّا لِضَعْفِ شَهْوَته، وَإِمَّا لِشِدَّةِ وَرَعه؛ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا الْوَجْه حَسَن، قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاس الْبَصْرِيّ مِنْ أَصْحَابنَا.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْوَجْه الْأَوَّل وَهُوَ التَّحْرِيم مُطْلَقًا مَالِك، وَأَبُو حَنِيفَة، وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء، مِنْهُمْ: سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَشُرَيْح، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاء، وَسُلَيْمَان بْن يَسَار، وَقَتَادَة. وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَوَاز: عِكْرِمَة، وَمُجَاهِد، وَالشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَم، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَد بْن حَنْبَل، وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن، وَأَصْبَغ، وَإِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو ثَوْر، وَابْن الْمُنْذِر، وَدَاوُدُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْمَذْهَب أَقْوَى دَلِيلًا.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَنَس الْآتِي: «اِصْنَعُوا كُلّ شَيْء إِلَّا النِّكَاح» ، قَالُوا: وَأَمَّا اِقْتِصَار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي مُبَاشَرَته عَلَى مَا فَوْق الْإِزَار، فَمَحْمُول عَلَى الِاسْتِحْبَاب، وَالله أَعْلَمُ.
قلتُ: ويدل على الجواز قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222]، ولفظ:{الْمَحِيضِ} ، يحتمل أن يكون اسمًا لمكان الحيض، أو أن يكون مصدرًا للحيض.
والراجح أن المراد بالآية الأول؛ لأمرين:
أحدها: أنه لو أراد الحيض؛ لكان أمرًا باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية، والإجماع بخلافه.
الثاني: أن الآية عند أن نزلت قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» ، وهذا تفسير لمراد الله تعالى.
وقد استدل القائلون بالتحريم بحديث: أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، ما يحل لي من امرأتي، وهي حائض؟ فقال:«ما فوق الإزار» ، وهو حديث حسن، وسيأتي تخريجه قريبًا إن شاء الله.
وقد أجيب عنه: بأنه يدل على حِلِّ ما فوق الإزار، ولا يدل على تحريم المباشرة؛ إلا بالمفهوم، والأدلة التي ذكرناها تدل بمنطوقها على جواز ذلك، والمنطوق مقدم على المفهوم.
والراجح -والله أعلم- هو الجواز، وأما إنْ خاف على نفسه من الوقوع في المحرم، فيكره له.
(1)
(1)
وانظر: «المغني» (1/ 414 - )، «شرح مسلم» (3/ 208 - 210)، «غاية المرام» (2/ 591)، «الشرح الممتع» (1/ 416 - 417).