الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْضُ المَسَائِلِ المُلْحَقَةِ
مسألة [1]: ميتة غير الجراد، والحوت، والآدمي
.
نقل النووي في «شرح المهذب» (2/ 562) الإجماع على نجاستها.
قلتُ: ويدل عليه قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إذا دُبِغ الإِهاب؛ فقد طَهُر»
(1)
، وجلد الميتة هو جزء منها، وقوله:«فقد طَهُر» يدل على أنه نجس، والله أعلم.
مسألة [2]: ميتة الآدمي
.
أما ميتة المسلم، فقد قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (371): فأما الحي؛ فطاهرٌ بإجماع المسلمين.
ثم قال: وأما الميت، ففيه خلاف للعلماء، وللشافعي فيه قولان، الصحيح منهما: أنه طاهرٌ. اهـ
وما صححه الإمام النووي رحمه الله هو الصحيح، وهو مذهب أحمد، ومالك، وداود، كما في «شرح المهذب» (2/ 563)، ويدل عليه عموم قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«إنَّ المسلم لا ينجس» .
وخالف أبو حنيفة، فقال: ينجس. وهو رواية عن أحمد، ومالك، وقول للشافعي، ومما استدلوا به: أن زنجيًّا سقط في بئر زمزم، فمات، فأمر ابن الزبير، وابن عباس أن ينزح الماء منها. وقد أنكر النووي هذه القصة في «المجموع»
(1)
سيأتي تخريجه برقم (16).
(1/ 116)، وقال: إنَّ هذا الذي زعموه باطلٌ لا أصل له.
قال الشافعي: لقيت جماعة من شيوخ مكة، فسألتهم عن هذا، فقالوا: ما سمعنا هذا.
وروى البيهقي وغيره عن سفيان بن عيينة إمام أهل مكة، قال: أنا بمكة منذ سبعين سنة، لم أرَ أحدًا، لا صغيرًا، ولا كبيرًا يعرف حديث الزِّنْجِي الذي يقولونه، وما سمعت أحدًا يقول: نزحت زمزم.
والقول الأول هو الراجح، وقد رجحه البخاري في «صحيحه» ، وقد صح عن ابن عباس أنه قال: لا تنجسوا موتاكم؛ فإن المؤمن ليس بنجس حيًّا، ولا ميتًا. أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 267) عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس به.
وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه حنط ابنًا لسعيد بن زيد. أخرجه مالك في الموطأ (1/ 25) عن نافع، عنه. وقال سعد بن أبي وقاص: لو كان نجسًا ما مسسته. أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 268) عن يحيى بن سعيد القطان، عن الجعيد بن عبدالرحمن، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها به. وهذا إسنادٌ صحيح، رجاله ثقات.
وهذه الآثار علَّقها البخاري في «صحيحه» ، وهي صحيحة.
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (1253): وقيل تعلق هذا الأثر، وما بعده بالترجمة من جهة أن المصنف يرى أنَّ المؤمن لا ينجس بالموت، وأنَّ غسله إنما هو للتعبد؛ لأنه لو كان نجسًا لم يطهره الماء، والسدر، ولا الماء وحده. اهـ
وأما الكافر، فقد قال ابن الملقن في «شرح العمدة» (2/ 18): وأما الكافر؛ فحكمه في الطهارة، والنجاسة حكم المسلم، هذا مذهبنا، ومذهب الجماهير من السلف، والخلف.
قلتُ: ويدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «الصحيحين»
(1)
: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ربط ثمامة بن أُثال في المسجد قبل أن يسلم. وحديث عمران بن حصين في «الصحيحين»
(2)
: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- استعمل مزادة امرأة مشركة هو، وأصحابه.
وكذلك إباحة ذبائح أهل الكتاب، وإباحة نسائهم في قوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة:5].
وقد خالف في هذه المسألة بعض الظاهرية، فقالوا: إن المشرك نجس العين، واستدلوا بقوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28].
والجواب عن هذا الاستدلال: بأن النجاسة ههنا محمولة على النجاسة المعنوية، وهو خُبْثُ، ونجاسة معتقده، جمعًا بين هذا الدليل، وبين الأدلة المتقدمة، واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«إن المؤمن لا ينجس»
(3)
، وقالوا: مفهومه أنَّ الكافر ينجس.
(1)
سيأتي تخريجه إن شاء الله برقم (107).
(2)
سيأتي تخريجه برقم (20).
(3)
أخرجه البخاري (283)، ومسلم (371) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وأُجيب عن ذلك: بأنَّ المراد بالحديث أنَّ المؤمن طاهر الأعضاء؛ لاعتياده مجانبة النجاسة، بخلاف المشرك؛ لعدم تحفظه عن النجاسة.
واستدلوا بمرسل الحسن، أنَّ وفد ثقيف لما أتوا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ضُرِبت لهم قبة في مؤخرة المسجد؛ لينظروا إلى صلاة المسلمين، فقال الصحابة: يا رسول الله، أتنزلهم المسجد، وهم مشركون؟ فقال:«إنَّ الأرض لا تنجس، إنما ينجس ابن آدم» . أخرجه عبد الرزاق (1620)، وأبو داود في «المراسيل» (17)، وإسناده صحيح إلى الحسن، ولكن مراسيل الحسن ضعيفة، من أضعف المراسيل كما جزم بذلك الذهبي في «الموقظة» .
واستدلوا بأمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بغسل آنية المشركين، كما في حديث أبي ثعلبة الخشني في «الصحيحين» .
(1)
وأجاب عنه الشوكاني في «السيل» (1/ 36)، فقال: المراد بأمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالغسل أن يزيلوا منها أثر ما يحرم أكله، وشربه، ولا ملازمة بين التحريم، والنجاسة.
وأما حكم ميتة الكافر؛ فقيل: إنَّ مفهوم حديث: «إنَّ المؤمن لا ينجس» يدل على نجاسته في حال موته.
ولا يُعلَم دليلٌ يعارض هذا المفهوم؛ فلذلك فميتة الكافر تعتبر نجسة، وقد نقل القرطبي في «المفهم» (2/ 629) عن بعض المتأخرين أنه نقل الاتفاق على
(1)
سيأتي برقم (19).
نجاسة الكافر الميت.
وهذا الاتفاق ليس بصحيح؛ فالأشهر في مذهب الحنابلة كما في «الإنصاف» (1/ 318)، وكذا في مذهب الشافعية كما في «المجموع» (2/ 562) القول بطهارته كالمسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في «الاختيارات» (ص 22): ولا ينجس الآدمي بالموت، وهو ظاهر مذهب أحمد، والشافعي، وأصح القولين في مذهب مالك. اهـ
قلتُ: ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70].
وقد أمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عليًّا أن يدفن والده، وأمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بقتلى المشركين يوم بدر، فسحبوا إلى طوي من أطواء بدر، ولو كانوا نجسين؛ لأمر بعدم مباشرة أجسامهم، فالذي يظهر -والله أعلم- هو عدم نجاسة الآدمي مطلقًا، وبالله التوفيق.
(1)
(1)
وانظر: «المحلى» (139)، «مجموع الفتاوى» (21/ 555).