الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ نَوَاقِضِ الوُضُوءِ
63 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَهْدِهِ يَنْتَظِرُونَ العِشَاءَ حَتَّى تَخْفِقَ
(1)
رُءُوسُهُمْ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(2)
، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ.
(3)
النواقض: جمع ناقض، والنقض في الأجسام: إبطال تركيبها، وفي المعاني: إخراجها عن إفادة ما هو المطلوب منها.
فنواقض الوضوء: هي عللٌ تؤثر في إخراج الوضوء عمَّا هو المطلوب منه.
(4)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: هل النوم ناقضٌ من نواقض الوضوء
؟
• اختلف الناس في هذه المسألة على ثمانية مذاهب ذكرها النووي رحمه الله في «شرح مسلم» رقم (376):
الأَوَّل: أَنَّ النَّوْم لَا يَنْقُض الْوُضُوء عَلَى أَيّ حَال كَانَ، وَهَذَا مَحْكِيّ عَنْ أَبَى مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَأَبِي مِجْلَز، وَحُمَيْد الْأَعْرَج، وَشُعْبَة.
(1)
هو تحرك الرأس من النعاس. انظر: «النهاية» .
(2)
صحيح. أخرجه أبوداود (200)، والدارقطني (1/ 131) وإسناده صحيح.
(3)
أخرجه مسلم برقم (376)(125)، بلفظ: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون، ثم يصلون، ولا يتوضؤون.
(4)
انظر: «توضيح الأحكام» (1/ 280)، «الملخص الفقهي» (1/ 59).
قلتُ: وأثر أبي موسى ثابتٌ عنه كما في «الأوسط» لابن المنذر (1/ 154)، وابن أبي شيبة (1/ 133)، وإسناد ابن المنذر صحيح، وإسناد ابن أبي شيبة ضعيف، واستدلوا برواية مسلم التي في الباب: ينامون، ثم يصلون، ولا يتوضؤون.
الثَّانِي: أَنَّ النَّوْم يَنْقُض الْوُضُوء بِكُلِّ حَال، وَهُوَ مَذْهَب الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَالْمُزَنِيّ، وَأَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام، وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَهُوَ قَوْل غَرِيب لِلشَّافِعِيِّ.
قال ابن المنذر رحمه الله: وَبِهِ أَقُول. قَالَ: وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَأَنَس، وَأَبِي هُرَيْرَة رضي الله عنهم.
قلتُ: أثر ابن عباس رضي الله عنه، إسناده ضعيف كما في الأوسط (1/ 144)، في إسناده يزيد بن أبي زياد الهاشمي، وهو ضعيف، وأثر أبي هريرة رضي الله عنه، لفظه:«من استحق نومًا فقد وجب عليه الوضوء» ، وإسناده صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 133)، والبيهقي (1/ 19) إلا أنه بين مراده من طريق أخرى كما في سنن البيهقي (1/ 122) أن استحقاق النوم بالاضطجاع. وإسناده صحيح، وإثر أنس رضي الله عنه، أخرجه ابن المنذر (1/ 145) بإسناد صحيح.
واستدل أهل هذا القول بحديث صفوان بن عسال الذي تقدم في [باب المسح على الخفين]، وفيه:«إلا من غائط، وبول، ونوم» ، فذكر في هذا الحديث الأحداث التي يُنْزَع منها
الخف، وهي: الجنابة، والأحداث التي لا يُنْزَع منها الخف، وهي: الغائط، والبول، والنوم، فأشعر ذلك بأنه من نواقض الوضوء؛ لاسيما بعد جعله مقترنًا بالبول، والغائط، الَّذَيْنِ هما ناقضان بالإجماع، واستدل ابن المنذر على هذا القول أيضًا بحديث:«إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» ، واستدل بالقياس على الإغماء، والجنون.
الثَّالِث: أَنَّ كَثِير النَّوْم يَنْقُض بِكُلِّ حَال، وَقَلِيله لَا يَنْقُض بِحَالٍ، وَهَذَا مَذْهَب الزُّهْرِيّ، وَرَبِيعَة، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَمَالِك، وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وهؤلاء أرادوا الجمع بين الأحاديث السابقة.
الرَّابِع: أَنَّهُ إِذَا نَامَ عَلَى هَيْئَة مِنْ هَيْئَات الْمُصَلِّينَ كَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِد وَالْقَائِم وَالْقَاعِد لَا يُنْتَقَض وُضُوءُهُ سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ اِنْتَقَضَ. وَهَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة، وَدَاوُد وَهُوَ قَوْل لِلشَّافِعِيِّ غَرِيب.
ويُسْتَدَلُّ لهؤلاء بحديث: «إِنَّمَا الوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا» ، ولكنه حديث ضعيفٌ، وسيأتي إن شاء الله، ونبين هنالك سبب ضعفه.
الْخَامِس: أَنَّهُ لَا يَنْقُض إِلَّا نَوْم الرَّاكِع وَالسَّاجِد، رُوِيَ هَذَا عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل -رحمه الله تعالى-.
السَّادِس: أَنَّهُ لَا يَنْقُض إِلَّا نَوْم السَّاجِد، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَد أيضًا.
السَّابِع: أَنَّهُ لَا يَنْقُض النَّوْم فِي الصَّلَاة بِكُلِّ حَال، وَيَنْقُض خَارِج الصَّلَاة، وَهُوَ قَوْل ضَعِيف لِلشَّافِعِيِّ -رحمه الله تعالى-.
الثَّامِن: أَنَّهُ إِذَا نَامَ جَالِسًا مُمَكِّنًا مَقْعَدَته مِنْ الْأَرْض لم يُنْتَقَض، وَإِلَّا اُنْتُقِضَ سَوَاء قَلَّ أَوْ كَثُرَ، سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَوْ خَارِجهَا، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَعِنْده أَنَّ النَّوْم لَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسه وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيل عَلَى خُرُوج الرِّيح، فَإِذَا نَامَ غَيْر مُمَكِّن الْمَقْعَدَة غَلَبَ عَلَى الظَّنّ خُرُوج الرِّيح فَجَعَلَ الشَّرْع هَذَا الْغَالِب كَالْمُحَقَّقِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُمَكِّنًا فَلَا يَغْلِب عَلَى الظَّنّ الْخُرُوج وَالْأَصْل بَقَاء الطَّهَارَة.
قال أبو عبد الله غفر الله لهُ: جاء في «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟ قال:«يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَان، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» ، فدلَّ هذا الحديث على أنَّ النوم ليس حدثًا بذاته
(1)
، ولكنه مظنةٌ للحدث.
ولمَّا كان النوم مَظَنَّةً للحدث أوجب الشارع فيه الوضوء كما في حديث صفوان بن عسال، وهو الذي كان مفهومًا عند عائشة؛ ولذلك سألت النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ ولذلك فإنَّ النوم يعتبر ناقضًا للوضوء، كما ذهب إليه أهل القول الثاني.
وهذا ترجيح ابن حزم في «المحلَّى» (158)، والإمام الألباني في «تمام المنة» (ص 100 - 101).
وهو الراجح فيما يظهر لي، والله أعلم.
وأما حديث أنس الذي في الباب؛ فإنه قد جاء بألفاظ، بلفظ: «تخفق
(1)
((قال المزني، وابن حزم: إنه حدثٌ. وهو خلاف الصواب. «التمهيد» (2/ 64)، «المحلَّى» (158).
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «الفتاوى» (21/ 391): وجمهور السلف والخلف أنَّ النوم نفسه ليس بناقض، ولكنه مظنة خروج الحدث.
رؤوسهم»، وبلفظ:«ينامون، ثم يصلون، ولا يتوضؤون» .
أخرجه أحمد في «مسائل أبي داود» (ص 439)، حدثنا ابن المثنى، ثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، قال: كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يضعون جنوبهم، فينامون، فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ.
وهذا اللفظ إسناده صحيح على شرط الشيخين.
فتبين من هذه الروايات أنَّ بعضهم نام، وبعضهم نعس، فالذي نام توضأ، والذي لم ينم لم يتوضأ، وذلك لأن قوله (تخفق) معناه: تحرك الرأس عند النعاس كما في «المختار» ، وغيره.
وأما من قيد النوم الناقض بما إذا لم يكن متمكنًا من مقعدته، أو كونه راكعًا، أو ساجدًا؛ لأنه في حالة التمكن من مقعدته، أو لم يكن راكعًا، أو ساجدًا، فالمظنة عدم الحدث، ولا يخرج عن يقين طهارته بشك.
فيجاب عليهم: بأنَّ المظنة المذكورة قد عارضتها مظنة الحدث من النائم، والشارع اعتبر المظنة الثانية، فأوجب الوضوء من النوم كما في حديث صفوان، وعمم الحكم بين القاعد، والراكع، والساجد، وغيرهم، ولم يخصَّ أحدًا عن الآخر، وألغى المظنة التي ذكروها، فوجب إعمال ما أعمله الشارع، وإلغاء ما ألغاه.
(1)
(1)
انظر: «شرح مسلم» (376)، «نيل الأوطار» (1/ 297 - )، «الأوسط» (1/ 142 - وما بعدها)، «المجموع» (2/ 17 - )، «المغني» (1/ 235 - ).