الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
116 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لَا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
(1)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: حكم لبث الحائض والجنب في المسجد وحكم المرور فيه
.
• في المسألة أقوال:
القول الأول: أنه يحرم عليه المكث في المسجد جالسًا، أو قائمًا، أو مترددًا، ولو كان متوضئًا، ويجوز له العبور، سواء كان لحاجة أو لا، وهو مذهب الشافعية، وحكى ابن المنذر مثل هذا عن (ابن مسعود، وابن عباس)
(2)
، وسعيد ابن المسيب، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعمرو بن دينار، ومالك، واستدلوا بقوله تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:43]، والمقصود بالصلاة مواضع الصلاة، وهي المساجد؛ لأنَّ عبور السبيل ليس في الصلاة، إنما هو في مواضعها، واحتجوا بحديث عائشة
(1)
ضعيف. أخرجه أبوداود (232)، ابن خزيمة (1327) وفي إسناده جسرة بنت دجاجة مجهولة حال، وقال البخاري: عندها عجائب. وقد ضعف الحديث أحمد والبخاري والبيهقي وغيرهم. قال البخاري: وقال عروة وعباد بن عبدالله عن عائشة: «سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر» يعني أنهما خالفا جسرة في لفظ الحديث. انظر «سنن البيهقي» (2/ 443).
(2)
أسند هذين الأثرين ابن المنذر في «الأوسط» (2/ 106 - 107)، وابن جرير في «تفسيره» (7/ 54 - 55)، وفي إسنادهما ضعف، فأثر ابن مسعود رضي الله عنه فيه انقطاع، وأثر ابن عباس رضي الله عنهما فيه: أبو جعفر الرازي، وهو ضعيف.
المذكور في هذا الباب.
القول الثاني: أنه يحرم عليه المُكْث، والمرور؛ إلا أنْ لا يجد بُدًّا منه، فيتوضأ، ثم يمر، وهذا القول حُكِيَ عن الثوري، وإسحاق، وأبي حنيفة، وأصحابه، واستدلوا بعموم الحديث:«لا أحل المسجد لحائضٍ، ولا جنب» ، واستدلوا بحديث أبي سعيد عند الترمذي (3727): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لعلي: «يا علي، لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري، وغيرك» ، معناه: لا يحل لأحد يستطرقه جنبًا غيري، وغيرك.
القول الثالث: يحرم المكث، والمرور، ويستباح بالوضوء، وهو قول أحمد، واستدل لذلك بما رواه عن أبي نعيم، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يتحدثون في المسجد، وهم على غير وضوء، وكان الرجل يكون جنبًا، فيتوضأ، ثم يدخل المسجد، فيتحدث. وإسناده حسن، وهشام بن سعد، وإن كان ضعيفًا؛ إلا أنه أثبت الناس في زيد بن أسلم، قاله أبو داود.
القول الرابع: جواز المكث، والمرور، وهو قول المزني، وداود، وابن المنذر، وحُكِيَ عن زيد بن أسلم.
قلتُ: ويصلح أن يكون مذهب الصحابة الذي تقدم ذكرهم قريبًا في القول الثالث؛ لأنَّ الوضوء لا يرفع عنهم الجنابة.
وقد استدل أهل هذا القول بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنَّ المسلم لا ينجس» ، مع البراءة
الأصلية، مع ما ثبت من نوم أصحاب الصُّفَّة في المسجد، ومعلوم أنهم يحتلمون.
وكذلك المرأة السوداء التي كان لها خباء في المسجد، مع أنَّ المرأة يأتيها الحيض، وكذلك مكوث ثمامة، وهو مشرك في المسجد، وهو نجس، يدل على جوازه للمسلم الجنب، وهو غير نجس، وهذا القول هو الراجح، وهو ترجيح الشوكاني رحمه الله، والوادعي رحمه الله.
وأما الآية: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} ، فهي على ظاهرها، أنَّ الشخص لا يصلي وهو جنب؛ إلا أن يكون عابر سبيل، أي: مسافر، فله أن يتيمم، ويصلي.
وخصص عابر السبيل بالذكر؛ لكونه مظنَّة لعدم وجود الماء.
وهذا التفسير للآية مذكور عن (علي، وابن عباس)
(1)
، ومجاهد، وقتادة، والحكم، ومقاتل، وابن زيد، وغيرهم، كما في «زاد المسير» (2/ 90).
وأما حديث: «لا أحل المسجد
…
»، فقد تقدم أنه ضعيفٌ، وأما حديث أبي سعيد الذي عند الترمذي، ففي إسناده: سالم بن أبي حفصة، وهو ضعيفٌ، بل أشد، وفيه: عطية العوفي، وهو ضعيفٌ، ومدلس، وقد استغرب الحديث البخاري.
وأما فعل الصحابة، ففعلهم أكثر أحواله أنه يدل على استحباب الوضوء، ولا ينافي ذلك ما رجحناه، والله أعلم.
(2)
(1)
أخرج الأثرين ابن المنذر في «الأوسط» (2/ 108)، وابن جرير في «تفسيره» (7/ 50 - 51). وأثر ابن عباس رضي الله عنهما إسناده صحيح، وأثر علي رضي الله عنه إسناده ضعيف؛ فيه ابن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ.
(2)
وانظر: «المجموع» (2/ 160 - 162)، و «النيل» (1/ 353).