الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأباح الأكل كالذبح.
قال: ولنا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3]، والجلد منها، وقال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-:«إنما حرم من الميتة أكلها» متفق عليه، ولأنه جزء من الميتة؛ فحرم أكله كسائر أجزائها، ولا يلزم من الطهارة إباحة الأكل، بدليل الخبائث مما لا ينجس بالموت، ثم لا يسمع قياسهم في ترك كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. انتهى.
وقول الجمهور هو الراجح؛ لما ذكره ابن قدامة رحمه الله.
مسألة [6]: الانتفاع بجلود السِّباع
.
جاء عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه نهى عن افتراش جلود السِّباع. أخرجه أبو داود (1059)، والترمذي (1770)(1771)، وأحمد (5/ 74)، والبزار (2330)(2331)، والطبراني (510)(511)، وغيرهم، من حديث أسامة بن عمير رضي الله عنه، وهو حديث روي مرسلًا، وموصولًا، والظاهر أن الروايتين محفوظتان؛ ولذلك فإنَّ البخاري لم يرجح إحدى الروايتين على الأخرى، كما في «العلل الكبير» للترمذي (2/ 741).
وجاء عن المقدام بن معدي كرب، ومعاوية رضي الله عنهما، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أنه نهى عن لبس جلود السباع، والركوب عليها. وإسناده ضعيفٌ، فيه: بقية بن الوليد، ولم يصرح بالتحديث. أخرجه أبو داود (4131)، وأخرجه أحمد (4/ 131 - 132)، بلفظ: نهى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن الذهب، والحرير، ومياثر النمور. وصرَّح بقية عنده بالتحديث.
ولحديث معاوية إسناد آخر حسن عند أحمد (4/ 92) بلفظ: «نهى عن ركوب النمور» .
وجاء الحديث عن أبي ريحانة بلفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهى عن ركوب النمور. أخرجه أحمد (4/ 134)، وفيه مجهول حال، ولكن الحديث في الشواهد؛ فلا يَضُرُّ ذلك.
فيستفاد من الأحاديث المتقدمة أن جلود السباع وإن دُبِغَتْ، فلا يجوز افتراشها، والركوب عليها. وهو قول الأوزاعي، ويزيد بن هارون، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
قال الطحاوي رحمه الله في «مشكل الآثار» (8/ 294 - 295) -بعد أن ذكر حديث: «أيما إهاب دُبِغَ فقد طهر» -:
وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ جُلُودُ السِّبَاعِ، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّا قَدْ عَمَّهُ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ الْقَوْلِ؛ إلَّا بِمَا يُوجِبُ لَهُ إخْرَاجُهُ بِهِ مِنْ آيَةٍ مَسْطُورَةٍ، وَمِنْ سُنَّةٍ مَأْثُورَةٍ، وَمِنْ إجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَجَبَ بِهِ دُخُولُ جُلُودِ السِّبَاعِ فِي الْأُهُبِ الَّتِي تَجِبُ طَهَارَتُهَا بِالدِّبَاغِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَقَلْنَا أَنَّ النَّهْيَ الَّذِي جَاءَ فِي الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ الرُّكُوبِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهَا غَيْرُ طَاهِرَةٍ بِالدِّبَاغِ الَّذِي فُعِلَ بِهَا، وَلَكِنْ لِمَعْنًى سِوَى ذَلِكَ، وَهُوَ رُكُوبُ الْعَجَمِ عَلَيْهَا، لَا مَا سِوَى ذَلِكَ.
قال: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: ثنا
سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا وَعَلَيْهِ قَلَنْسُوَةٌ بَطَائِنُهَا مِنْ جُلُودِ الثَّعَالِبِ، فَأَلْقَاهُ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَالَ: مَا يَدْرِيك لَعَلَّهُ لَيْسَ بِذَكِيٍّ. وَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ: أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ ذَكِيٌّ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ لُبْسُ مَا هُوَ فِيهِ. اهـ
قلتُ: يشير الطحاوي رحمه الله إلى أنَّ النهي عن الافتراش، والركوب إنما هو لكونه من عمل الأعاجم، ولا يشمل ذلك لبسه، ورواية المقدام، ومعاوية المصرحة بالنهي عن اللبس ضعيفة.
وقد ذهب بعضهم إلى أنَّ علة النهي إنما هو من أجل أنها مراكب أهل السرف، والخيلاء، ذكر ذلك الخطابي في «معالم السنن» (4/ 186)، والشوكاني في «نيل الأوطار» (1/ 105).
ورخص في افتراش جلود السباع والركوب عليها: الحسن، وابن سيرين، وعروة، وعمر بن عبدالعزيز، والزهري، وغيرهم، ونقل عن جابر بن عبدالله بسند فيه ضعف، فيه الحجاج بن أرطاة كما في «الأوسط» لابن المنذر (2/ 300)، والصحيح أنه لا يجوز ركوبها، ولا افتراشها؛ للأدلة المتقدمة، ولعل المذكورين لم تبلغهم الأدلة في تحريم ذلك، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر: «المغني» (1/ 92 - 93)، «الأوسط» (2/ 300 - )، «النيل» (1/ 105).