الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما قد بيناه.
والراجح هو القول الأول، والله أعلم.
مسألة [7]: الاستنجاء بالروث، والعظام
.
• ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم جواز الاستجمار بالروث، والعظام، وهو قول الشافعي، وإسحاق، وأحمد، والثوري، وغيرهم، واستدلوا بحديث سلمان الذي في الباب، وبحديث جابر بن عبد الله في «صحيح مسلم» (263): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- «نهى أن يُتمسح بعظم، أو ببعر» .
• وذهب أبو حنيفة إلى جواز الاستنجاء بهما؛ لأنهما يجففان النجاسة، وأباح مالك الاستنجاء بالطاهر منهما.
والراجح هو قول الجمهور، والله أعلم.
(1)
مسألة [8]: هل يجوز الاستنجاء بغير الروث، والعظام
؟
• ذهب جمهور أهل العلم -وهو الصحيح في مذهب الحنابلة- إلى أنَّ كل ما أنقى من الخشب، والخرق، وما أشبهه يجوز الاستنجاء به، كالحجارة؛ إلا الروث، والعظام -لما تقدم- واستدل الجمهور بحديث خزيمة بن ثابت، قال: سئل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن الاستطابة، فقال:«بثلاثة أحجار، ليس فيها رجيع» ، أخرجه أحمد (5/ 213)، وغيره.
وفي إسناده: أبو خزيمة، عمرو بن خزيمة، وهو مجهول، ولكن الحديث
(1)
انظر: «المغني» (1/ 215).
يشهد له حديث سلمان، وغيره، فهو صحيح بشواهده.
قال الجمهور: فلولا أنه أراد الحجر، وما في معناه، لم يستثنِ منها الرَّجيع؛ لأنه لا يحتاج إلى ذكره، ولم يكن لتخصيص الرجيع بالذكر معنى، واستدلوا بحديث سلمان في آخره:«وأن نستجمر برجيع، أو عظم» ، فقالوا: تخصيص هذين بالنهي عنهما يدل على أنه أراد الحجارة، وما قام مقامها؛ ولأنه متى ورد النص بشيء معقول، وجب تعديته إلى ما وجد فيه المعنى، والمعنى ههنا إزالة عين النجاسة، وهذا يحصل بغير الأحجار، كحصوله بها.
• وذهب داود، وهو وجه عند الحنابلة إلى الاقتصار على الحجارة؛ لأن النصوص جاءت بالحجارة. والقول الأول هو الراجح؛ لما تقدم، والله أعلم.
(1)
فائدة: قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» (1/ 214): ولابُدَّ أن يكون ما يستجمر به مُنْقِيًا؛ لأن الإنقاء مُشْتَرَطٌ في الاستجمار، فأما الزَّلج، كالزجاج، والفحم الرخو، وشبههما مما لا يُنْقِي، فلا يجزئ؛ لأنه لا يحصل منه المقصود. اهـ
فائدة: العلة في النهي عن العظم، والروث.
ثبت في «صحيح البخاري» (155، 3860): أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال لأبي هريرة رضي الله عنه: «ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ» ، ثُمَّ إنَّ أَبا هُرَيْرة قَالَ لَهُ: مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟ قَالَ: «هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ
(1)
وانظر: «المغني» (1/ 213 - 214)، و «الفتح» (1/ 335)(155).
نَصِيبِينَ، وَنِعْمَ الْجِنُّ، فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللهَ لَهُمْ أَنْ لَا يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلَا بِرَوْثَةٍ إِلَّا وَجَدُوا عَلَيْهَا طُعْمًا»، وفي روايةٍ:«طعامًا» .
وفي «صحيح مسلم» (450)، من حديث عبدالله بن مسعود: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال للجن حين سألوه الزاد: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم، وكل بعرةٍ علفٌ لدوابكم» ، قال:«فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما طعام إخوانكم» .
وقد استنبط أهل العلم من هذا الحديث تحريم الاستنجاء بمطعومات الإنس، ومطعومات دوابهم؛ لأَنَّ زادهم أعظم حرمةً من زاد الجن، ودوابهم.
فائدة: قال النووي رحمه الله في «المجموع» (2/ 93): لا يجوز أن يبول على ما منع الاستنجاء به؛ لحرمته، كالعظم، وسائر المطعومات. اهـ.
(1)
فائدة: قال النووي رحمه الله في «شرح المهذب» (2/ 120): ولو استنجى بشيء من أوراق المصحف -والعياذ بالله- عالمًا، صار كافرًا، مرتدًا، نقله القاضي حسين، والروياني، وغيرهم.
قلتُ: ويلتحق به الأوراق التي فيها ذكر الله عز وجل، وأما كتب الفقه، وما فيه علوم شرعيةٌ، فهو محرمٌ حرمةً شديدة، ولا يُؤْمَن عليه من الكفر.
(2)
(1)
انظر: «المغني» (1/ 215 - 216)، «المجموع» (2/ 119)، «الفتح» (155).
(2)
وانظر: «شرح المهذب» (2/ 119)، «المغني» (1/ 216)، «الفتح» (155).
94 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى الغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ» . رَوَاهُ أَبُودَاوُد.
(1)
الحكم المستفاد من الحديث
هذا الحديث يدل على وجوب التستر من أعين الناس، وقد تقدم استحباب ابتعاد قاضي الحاجة عن أعين الناس.
والواجب هو ستر العورة حتى وإن كان قريبًا من الناس؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «احفظ عورتك إلا من زوجك، أو ما ملكت يمينك» .
أخرجه أبو داود (4017)، وغيره، من حديث معاوية بن حيدة بإسناد حسن.
(1)
ضعيف. وليس هو من حديث عائشة، إنما هو من حديث أبي هريرة. أخرجه أبوداود برقم (35) وفي إسناده حصين الحميري الحبراني، وأبو سعيد الخير، ويقال: أبوسعد. وهما مجهولان.
95 -
وَعَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ قَالَ: «غُفْرَانَك» . أَخْرَجَهُ الخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالحَاكِمُ.
(1)
الحكم المستفاد من الحديث
استحب أهل العلم أن يدعوَ الإنسانُ بهذا الدعاء عند الخروج من الخلاء، كما في «المغني» (1/ 229)، و «المجموع» (2/ 76).
ولكن الحديث ضعيفٌ؛ فالظاهر أنه يخرج ساكتًا.
وأما الدعاء بقوله: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى، وعافاني» ، فهو أضعف من حديث عائشة رضي الله عنها، فقد أخرجه ابن ماجه (301) من حديث أنس رضي الله عنه، وفي إسناده: إسماعيل بن مسلم المكي، وهو شديد الضعف.
(1)
ضعيف. أخرجه أحمد (6/ 155)، وأبوداود (30)، والترمذي (7)، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (79)، وابن ماجه (300)، والحاكم (1/ 158)، وفي إسناده يوسف بن أبي بردة روى عنه اثنان ولم يوثقه معتبر؛ فهو مجهول حال. فالحديث ضعيف، وقد ضعفه شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله.
96 -
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْت حَجَرَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ ثَالِثًا، فَأَتَيْته بِرَوْثَةٍ. فَأَخَذَهُمَا وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ:«هَذَا رِكْسٌ» أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.
(1)
وَزَادَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ: «ائْتِنِي بِغَيْرِهَا» .
(2)
الحكم المستفاد من الحديث
قوله: «رِكْسٌ» ، فسَّرها طائفة من أهل العلم بأنَّ معناه: نجس، لكن قال ابن الأثير في «النهاية»: وهو شبيه المعنى بالرجيع، يقال: ركست الشيء، وأركسته، إذا رددته ورجعته. اهـ
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (156): وقيل: الركس الرجيع، رُدَّ من حالة الطهارة إلى حالة النجس، قال الخطابي، وغيره: والأولى أن يقال: رُدَّ من حالة الطعام إلى حالة الروث. اهـ
قلتُ: فعلى هذا، فليست العلة فيها -أعني الروثة- أنها نجسة، بل أشار النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى أنها رجيع، وقد بين النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ الرَّجيع لا يُستنجى به؛ لأنه من زاد الجن
(1)
أخرجه البخاري برقم (156).
(2)
زيادة ضعيفة. أخرجه أحمد (1/ 450)، والدارقطني (1/ 55).
ولفظ أحمد: «ائتني بحجر» ، وفي إسنادهما انقطاع؛ فإنه من طريق أبي إسحاق عن علقمة بن قيس، وقد نص الحفاظ أنه لم يسمع منه قاله شعبة وأبوزرعة وابن المديني والبرديجي وغيرهم، وعند الدارقطني علة أخرى، وهي أبوشيبة إبراهيم بن عثمان وهو شديد الضعف، لكن أخرجه من طريق أخرى بلفظ أحمد ليس فيها إلا العلة السابقة.