الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ المَنِيَّ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ. وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الغَسْلِ فِيهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
وَلِمُسْلِمٍ: لَقَدْ كُنْت أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ.
(2)
وَفِي لَفْظٍ لَهُ: لَقَدْ كُنْت أَحُكُّهُ يَابِسًا بِظُفْرِي مِنْ ثَوْبِهِ.
(3)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
مسألة [1]: حكم مني الآدمي
.
• اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
الأول: القول بنجاسته، وهو قول أبي حنيفة، ومالك.
واستدلوا على ذلك بأدلة:
1) حديث عائشة الذي في الباب؛ فإن فيه غسل المني، وإنما يغسل لنجاسته.
2) أنَّ المذي نجسٌ، وهو مبدأُ المني.
3) أنه يخرج من مخرج البول، فكان نجسًا كالبول.
4) حديث عمار عند أبي يعلى (1611)، والدارقطني (1/ 127)، وغيرهما:«إنما تغسل ثوبك من الغائط، والبول، والمني، والدم، والقيء» .
5) أمر بالغسل من المني جماعة من الصحابة، وهم: عائشة، وابن عمر وجابر بن
(1)
أخرجه البخاري برقم (229)، ومسلم برقم (289)، واللفظ لمسلم.
(2)
أخرجه مسلم برقم (288).
(3)
أخرجه مسلم برقم (290).
سمرة رضي الله عنهم والأسانيد إليهم صحيحة كما في «الأوسط لابن المنذر» (2/ 281 - ).
وقد رجَّح الشوكاني رحمه الله هذا القول في «نيل الأوطار» .
الثاني: طهارة المني، وهو قول الشافعي، وأحمد.
واستدلوا على ذلك بأدلة:
1) حديث عائشة الذي في هذا الباب، وفيه: أنها كانت تكتفي بفرك المني، وحَكِّهِ من دون غسل، وهذا أكبر دليل على طهارته، ولو كان نجسًا لما اكتفي بذلك، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه قال في دم الحيض:«تَحُتُّهُ، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه» .
2) أنَّ الأصل في الأشياء الطهارة، فمن ادَّعى نجاسته؛ فعليه الدليل الصحيح، الصريح على ذلك.
3) لم يأمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بغسله مع عموم البلوى به.
4) عدم مبادرة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى إزالته، وتركه حتى ييبس دليل على طهارته، ذلك أنَّ المعروف من هدي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- المبادرة في إزالة النجاسة كما أمر الصحابة بغسل بول الأعرابي الذي بال في المسجد، وكما بادر بغسل ثوبه من بول الغلام الذي بال في حجره، ولو قيل: إنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يعلم به حتى صار يابسًا، فالجواب: لو كان نجسًا لأُوْحِي إليه بنجاسته كما أُوحِي إليه بنجاسة نعله، وهذا القول هو
الراجح، وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، ثم الشيخ ابن عثيمين، رحمة الله عليهم أجمعين.
5) اقتصر بعض الصحابة على فركه، ثبت ذلك عن سعد وعائشة رضي الله عنهما، وصحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: امسحه بإذخرة، أو خرقة، ولا تغسله إن شئت إلا أن تقذره، أو تكره أن يرى على ثوبك. «الأوسط» (2/ 283).
وأما الردُّ عن أدلة المذهب الأول، فكما يلي:
1) حديث عائشة الذي في الباب، وفيه الغسل.
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» حديث (229): وليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المني؛ لأنَّ غسلها فعل، وهو لا يدل على الوجوب بمجرده.
وقال الشوكاني رحمه الله في «النيل» (1/ 97): وهذا لا يدل على المطلوب؛ لأنَّ غاية ما هناك أنه يجوز غسل المني من الثوب، وهذا مما لا خلاف فيه، بل يجوز غسل ما كان مُتَّفَقًا على طهارته، كالطيب، والتراب، فكيف بما كان مستقذرًا.
2) قولهم: إنَّ المذي هو مبدأُ المني.
فقد أُجيب: بأنَّ هذه دعوى تحتاج إلى دليل؛ فإنهما حقيقتان مختلفتان في الماهية، والصفات، والعوارض، والرائحة، والطبيعة، وقد فرَّق الشارع بينهما، فأمر بغسل المذي، ولم يأمر بغسل المني.
3) أنه وإن كان يخرج من مخرج البول؛ فإنَّ مجرى البول غير مجرى المني.
4) حديث عمار موضوعٌ، باطلٌ، في إسناده: ثابت بن حماد، وهو متهم بالوضع.
وقال النووي رحمه الله في «شرح المهذب» (2/ 549): باطلٌ لا أصل له.
قلتُ: وأدلة القائلين بالطهارة لم تسلم من الكلام عليها، ولكن الذي يظهر أن الكلام فيها لا يقدح بالاستدلال بها، والله أعلم.
(1)
(1)
انظر: «سبل السلام» (1/ 79)، و «نيل الأوطار» (1/ 97 - 98)، و «شرح المهذب» (1/ 554)، و «مجموع الفتاوى» (21/ 587 - 607)، و «الفتح» (1/ 433 - 434)، و «بدائع الفوائد» (3/ 119 - 126)، و «توضيح الأحكام» (1/ 182 - 183)، و «الشرح الممتع» (1/ 388 - 389).