الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الأمر بغسل النجاسة سبعًا، اللهم إلا الإناء الذي ولغ فيه الكلب. اهـ
قلتُ: وأما قياسهم على لعاب الكلب فلا يصح؛ لأنَّ العدد والتتريب فيه تعبدي لا يقاس عليه.
(1)
مسألة [15]: هل غسل الإناء على الفور
؟
قال الحافظ رحمه الله في «الفتح» (172): قوله «فليغسله» يقتضي الفور، لكن حمله الجمهور على الندب، والاستحباب؛ إلا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء. اهـ.
(2)
مسألة [16]: إراقة ما في الإناء
.
قال ابن الملقن رحمه الله في «شرح العمدة» (1/ 307): لو لم يُرِد استعمال الإناء، سُنَّتْ إراقته على الأصح عند الشافعية، وقيل: يجب؛ لظاهر الرواية التي أسلفناها؛ لأن الأمر المطلق يقتضي الوجوب على المختار، وهو قول أكثر الفقهاء، والأول قاسه على سائر النجاسات؛ فإنه لا يجب إراقتها بلا خلاف.
قلتُ: تقدم بيان أن رواية: «فليرقه» شاذة، غير محفوظة، وعلى هذا فحكم ما في الإناء كحكم سائر النجاسات.
مسألة [17]: لعاب الخنزير
.
قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» (279): وأما الخنزير فحكمه حكم الكلب
(1)
وانظر: «المغني» (1/ 75 - 76).
(2)
وانظر: «شرح العمدة» لابن الملقن (1/ 308).
في هذا كله، هذا مذهبنا، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعًا، وهو قول الشافعي، وهو قوي في الدليل. اهـ
قلتُ: هذا الحكم مبني على أنَّ الخنزير نجس، وهو قول جمهور أهل العلم، وقد نقله بعضهم إجماعًا، ولا يصح؛ فإنَّ مذهب مالك: طهارة الخنزير ما دام حيًّا، كما في «شرح المهذب» (2/ 568). وهو رواية عن أحمد كما في «الإنصاف» (1/ 294)؛ لعدم وجود دليل صحيح، صريح على نجاسته، وأما قوله تعالى:{أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145]؛ فإنَّ قوله {رِجْسٌ} معناه: مستقذر، مستخبث، وليس بصريح في النجاسة، ويدل على ذلك قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الحمر الأهلية:«إنها رجس» ، وقد كانوا يركبونها ويمسونها، ولو كان المراد بـ {رِجْسٌ}: النجس؛ لكان ذلك متجهًا للحم كلحم الحمر، لا إلى الحيوان قبل موته، والأصل في الأشياء الطهارة، ولا يخرج عن ذلك إلا بدليل صحيح، صريح، و الله أعلم.
وقد قال النووي رحمه الله في «شرح المهذب» (2/ 568): وليس لنا دليل واضح على نجاسة الخنزير في حياته.
ثم استدركت فقلت: ظهر لي، والله أعلم نجاسة الخنزير حيًّا وميتًا؛ لأن قوله تعالى:{رِجْسٌ} من الألفاظ المشتركة، واللفظ المشترك إذا لم يوجد دليل يبين المراد منه، وأمكن حمله على جميع معانيه؛ حمل عليها. ولأن الضمير يعود غالبًا على أقرب مذكور، ولأن حمل الضمير على اللحم دون الخنزير؛ يعود على التخصيص
بالخنزير بعدم الفائدة؛ لأن كل ما ذبح على غير طريقة شرعية؛ فلحمه رجس، وكذلك سائر السباع، سيكون لها نفس الحكم؛ فلم يبق لتخصيص الخنزير فائدة، وكذلك فإن الخنزير يأكل النجاسة والأنتان، ويلازم ذلك، فهو أسوأ حالًا من الجلالة.
وعلى ما تقدم فلعاب الخنزير نجسٌ، ولكن لا يلزم أن يغسل سبع مرات كما جاء في الكلب، بل الصحيح أنه يجزئ غسلة واحدة كما هو الأصل في إزالة النجاسات، وليس مع من قال بسبع غسلات إلا القياس على لعاب الكلب، وهو قياس فاسد الاعتبار؛ لأن العلة تعبدية، وليست ظاهرة المعنى حتى يقاس عليها، ولأنه يحتمل أن يوجد في لعاب الكلب معنى خاص استحق من أجله ذلك، وليس موجودًا في غيره. وبالله التوفيق.