الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وَأَمَّا الْعِظَامُ، وَنَحْوُهَا، فَإِذَا قِيلَ: إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحُسُّ وَتَأَلَّم، قِيلَ لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ: أَنْتُمْ لَمْ تَأْخُذُوا بِعُمُومِ اللَّفْظِ؛ فَإِنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ كَالذُّبَابِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْخُنْفُسَاءِ، لَا يَنْجُسُ عِنْدَكُمْ، وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مَعَ أَنَّهَا مَيْتَةٌ مَوْتًا حَيَوَانِيًّا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ، ثُمَّ لِيَنْزَعْهُ؛ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءٌ، وَفِي الْآخَرُ شِفَاءٌ» ، وَمَنْ نَجَّسَ هَذَا قَالَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إنَّهُ لَا يُنَجِّسُ الْمَائِعَاتِ الْوَاقِعَةَ فِيهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ عُلِمَ أَنَّ عِلَّةَ نَجَاسَةِ الْمَيْتَةِ إنَّمَا هُوَ احْتِبَاسُ الدَّمِ فِيهَا، فَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَحْتَبِسْ فِيهِ الدَّمُ؛ فَلَا يَنْجُسُ، فَالْعَظْمُ وَنَحْوُهُ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّنْجِيسِ مِنْ هَذَا؛ فَإِنَّ الْعَظْمَ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، وَلَا كَانَ مُتَحَرِّكًا بِالْإِرَادَةِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ. فَإِذَا كَانَ الْحَيَوَانُ الْكَامِلُ الْحَسَّاسُ الْمُتَحَرِّكُ بِالْإِرَادَةِ لَا يَنْجُسُ؛ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ، فَكَيْفَ يَنْجُسُ الْعَظْمُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ دَمٌ سَائِلٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَتَمَشَّطُونَ بِأَمْشَاطٍ مِنْ عِظَامِ الْفِيلِ. انتهى.
قال أبو عبد الله غفر الله لهُ: هذا القول هو الراجح، والله أعلم.
(1)
مسألة [4]: بيض الميتة
.
• إن كان قِشرها قد صلب؛ فهي طاهرة عند الحنابلة، والحنفية، وجمهور الشافعية، واختاره ابن المنذر، فقال كما في «الأوسط» (2/ 290): لا فرق بين
(1)
وانظر: «شرح المهذب» (1/ 244)، و «المغني» (1/ 101).
البيضة التي قد اشتدت وصلبت تقع في البول والدم، وبين كونها في بطن الدجاجة الميتة أنها إذا غسلت تؤكل؛ لأنَّ النجاسة غير واصلة إليها في واحد من الحالين؛ لصلابتها، والحائل بينها وبين النجاسة من القشر الصحيح الذي يحيط العلم أن لا سبيل لوصول شيء إلى داخلها، فإذا كانت غير صلبة لينة فهي نجسة لا يجوز أكلها. انتهى.
• وخالف في هذه المسألة مالك، والليث، وبعض الشافعية، فقالوا بنجاستها؛ لأنها جزء من الدجاجة.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَقَوْلُهم: (إِنَّها جُزْءٌ مِنْهَا) غَيْرُ صَحِيْحٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُوْدَعَةٌ فِيْهَا غَيْر مُتَّصِلَةٍ بِهَا، فَأَشْبَهَتِ الَوَلَدَ إِذَا خَرَجَ حَيًّا مِنَ المَيْتَةِ. اهـ
وقال رحمه الله: فَإِنْ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيْضَةُ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَا كَانَ قِشْرُهُ أَبْيَضَ، فَهُوَ طَاهِرٌ، وَمَا لَمْ يَبْيَضَّ قِشْرُهُ فَهُوَ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حَائِلٌ حَصِينٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَةَ عَلَيْهَا غَاشِيَةٌ رَقِيقَةٌ كَالْجِلْدِ، وَهُوَ الْقِشْرُ قَبْلَ أَنْ يَقْوَى، فَلَا يَنْجُسُ مِنْهَا إلَّا مَا كَانَ لَاقَى النَّجَاسَةَ، كَالسَّمْنِ الْجَامِدِ إذَا مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ تَطْهُرُ إذَا غَسَلَهَا؛ لِأَنَّ لَهَا مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَمْنَعُ تَدَاخُلَ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهَا، بِخِلَافِ السَّمْنِ. انتهى.
قلتُ: ما ذكره ابن عقيل هو وجهٌ عند الشافعية كما في «شرح المهذب» ، وهو الراجح فيما يظهر لنا، والله أعلم.
(1)
(1)
وانظر: «شرح المهذب» (1/ 244)، «المغني» (1/ 101).