الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 -
وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ:«لَا تَأْكُلُوا فِيهَا؛ إلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)
20 -
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ
(2)
امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
(3)
، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
المسائل والأحكام المستفادة من الحديثين
مسألة [1]: حكم آنية الكفار
.
قال الإمام النووي رحمه الله في «شرح المهذب» : يكره استعمال أواني الكفار، سواء فيه أهل الكتاب، وغيرهم، والمتدين باستعمال النجاسة، وغيره، ودليله حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، قال أصحابنا: وأوانيهم المستعملة في الماء أخف كراهة؛ فإن تيقن طهارة أوانيهم؛ فلا كراهة حينئذٍ في استعمالها.
ثم قال: وهذا الذي ذكرناه من الحكم بطهارة أواني الكفار هو مذهبنا، ومذهب الجمهور من السلف، وحكى أصحابنا عن أحمد، وإسحاق نجاسة ذلك؛
(1)
أخرجه البخاري برقم (5478)، ومسلم برقم (1930).
(2)
قال في «النهاية» : هو الظرف الذي يحمل فيه الماء، كالراوية، والقربة، والسطيحة، والجمع: مزاود، والميم زائدة.
(3)
أخرجه البخاري برقم (344)، ومسلم برقم (681). وليس في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه توضؤوا من المزادة، ولكن فيه أنهم شربوا منها، واغتسل أحدهم من الجنابة منها. وبهذا يحصل المقصود من الاستدلال بالحديث على طهارة آنية المشركين.
لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]، ولحديث أبي ثعلبة، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال:«فاغسلوها» ، واحتج أصحابنا بقوله تعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5]، ومعلومٌ أن طعامهم يطبخونه في قدورهم، ويباشرونه بأيديهم، وبحديث عمران، وبأنَّ الأصل الطهارة، وبأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يأذن للكفار في دخول المسجد، ولو كانوا أنجاسًا لم يأذن.
وأجاب أصحابنا عن الآية بجوابين، أحدها: معناها أنَّ المشركين نجس أديانهم، واعتقادهم، وليس المراد أبدانهم، وأوانيهم، بدليل أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أدخلهم المسجد، واستعمل آنيتهم، وأكل طعامهم.
وأجابوا عن حديث أبي ثعلبة: بأنَّ السؤال كان عن الآنية التي يطبخون فيها لحم الخنزير، ويشربون فيها الخمر، كما جاء في رواية أبي داود.
وجواب آخر: أنه محمول على الاستحباب. ذكره الشيخ أبو حامد، ويدل عليه أنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- نهاهم عن استعمالها مع وجود غيرها، وهذا محمول على الاستحباب بلا شك، والله أعلم.
(1)
والحاصل من هذه المسألة: أنَّ آنية الكفار إنْ تُيُقِّنَ من نجاستها؛ حرم استعمالها حتى يغسلها، وإن تيقن من طهارتها؛ فلا كراهة في استعمالها، وما عدا هاتين الصورتين فيكره استعمالها؛ لحديث أبي ثعلبة: «لا تأكلوا فيها
…
» الحديث.
(1)
انتهى بتصرف من «شرح المهذب» (1/ 263 - 265).
وإنما حملنا النهي على الكراهة؛ لحديث عمران بن الحصين الذي في الباب، وللآية السابقة:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} .
ولحديث جابر في «سنن أبي داود» (3838)، وغيره، قال: كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فنصيب من آنية المشركين، فنستمتع بها، فلا يعيب ذلك علينا.
ولحديث عبد الله بن مغفل في «الصحيحين»
(1)
(1772)، قال: أصبت جِرَابًا من شحم يوم خيبر، فالتزمته، وقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا، فالتفت، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- متبسمًا. ولأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أكل من آنية اليهودية التي وضعت له السمَّ بالطعام.
وغسل الآنية في حديث أبي ثعلبة محمول على الاستحباب؛ لعدم غسل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- للآنية التي استعملها، كما في الأدلة المتقدمة، وقد أشار إلى هذا النووي في آخر كلامه، فَتَنَبَّه.
(2)
(1)
أخرجه البخاري برقم (5508)، ومسلم برقم (1772).
(2)
وانظر: «المغني» (1/ 109 - 111).