الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبل أن تقع فيه النجاسة. اهـ
قلتُ: ففي كلام ابن المنذر رحمه الله ثلاث صور:
1) الماء الكثير إذا خالطته النجاسة، وغيَّرت أحد أوصافه؛ فإنه نجسٌ ما دام كذلك.
2) الماء الكثير إذا خالطته النجاسة، ولم تُغَيِّر أحدَ أوصافه؛ فإنه طهورٌ.
3) الماء القليل إذا خالطته النجاسة، وغيرت أحدَ أوصافه؛ فإنه نجسٌ.
وهذه الثلاث الصُّور مُجْمَعٌ عليها.
وعلى هذا فحديث أبي سعيد الخدري في أول الباب -أعني قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الماء طهور لا ينجسه شيء» - مخصوصٌ بالإجماع بالصورة الأولى، والثالثة.
وقد نقل الإجماع أيضًا: الإمام البيهقي كما تقدم، ونقله أيضًا غير واحد من أهل العلم. «شرح المهذب» (1/ 110).
وبقيت صورةٌ رابعة، وهي محل الخِلاف، وهي:
مسألة [2]: إذا كان الماء قليلا، وخالطته النجاسة، ولم يتغير
.
• قال النووي رحمه الله في «شرح المهَذَّب» (1/ 112): حكى ابن المنذر، وغيره فيها سبعة مذاهب للعلماء .... ، ثم ذكرها.
قلتُ: وأقوى هذه الأقوال قولان، فلنرجح بينهما.
القول الأول: إن كان الماء قُلَّتين فأكثر لم ينجس، وإن كان دون القلتين نجس، وهذا مذهب الشافعي، وأحمد في رواية، وإسحاق، وأبي عبيد.
واستدلوا بأدلة كثيرة، منها:
1) حديث ابن عمر في القلتين، الذي في هذا الباب.
2) حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «الصحيحين» ،
(1)
أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده» .
قالوا: فنَهاهُ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن غمسِ يده، وعَلَّلَهُ بخشية النجاسة، ويُعْلَمُ بالضرورة أنَّ النجاسة التي قد تكون على يده، وتخفى على غيره، لا تغير الماء، فلولا تنجيسه بحلول نجاسة لم تغيره، لم ينهه.
3) حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «الصحيحين»
(2)
: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم؛ فليغسله سبعًا» ، وفي لفظ لمسلم:«فلْيُرقْهُ» . فالأمر بالإراقة والغسل دليلُ النجاسة.
4) «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، رواه الترمذي (2518)، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما مرفوعًا بإسناد صحيح.
(3)
القول الثاني: أن الماء كثِيْرُهُ، وقليلهُ لا ينجس؛ إلا بالتَّغّيُّر.
(1)
أخرجه البخاري (162)، ومسلم (278)، واللفظ لمسلم.
(2)
سيأتي تخريجه في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
(3)
انظر «شرح المهذب» (1/ 117 - 118).
قال النووي رحمه الله في «شرح المهذب» (1/ 113): حَكَوْهُ عن ابن عباس،
(1)
وابن المسيب، والحسن البصري، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء، وعبدالرحمن بن أبي ليلى، وجابر بن زيد، ويحيى بن سعيد القطَّان، وعبدالرحمن ابن مهدي، قال أصحابنا: وهو مذهب مالك، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وداود. قال ابن المنذر رحمه الله: وبهذا المذهب أقول. واختاره بعض الشافعية. انتهى بتصرف يسير.
قلتُ: وهذا القول هو رواية عن أحمد، وقول للشافعي، كما في «المغني» (1/ 39).
واستدلوا بأدلة منها:
1) حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي في الباب: «إنَّ المَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» .
2) حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في «الصحيحين» ،
(2)
وأبي هريرة رضي الله عنه في «البخاري» (220)، أن أعرابيًّا بال في المسجد، فأمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بِذَنُوبٍ من ماء، فأُهْرِيْقَ عليه.
قالوا: في هذا الحديث دلالةٌ على أنَّ الماء إذا غلب على النجاسة، ولم يظهر شيء منها، فقد طهرها، وأنها لا تضره ممازجتها له، إذا غلب عليها، وسواء كان قليلًا، أو كثيرًا.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 108)، وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 267)، وهو صحيح.
(2)
سيأتي تخريجه إن شاء الله في هذا الباب.
وهذا القول هو الراجح، وقد رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والشوكاني، والصنعاني، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليهم أجمعين.
وقال ابن القيم رحمه الله في «إعلام الموقعين» (1/ 391 - 392): الذي تقتضيه العقول، أنَّ الماء إذا لم تغيره النجاسة لا ينجس؛ فإنه باقٍ على أصل خلقته، وهو طيبٌ؛ فيدخل في قوله تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف:157]، وهذا هو القياس في المائعات جميعها إذا وقع فيها نجاسة فاستحالت بحيث لم يظهر لها لون، ولا طعم، ولا ريح. اهـ.
(1)
وأما الرد على أدلة القول الأول، فهو كما يلي:
1) أما استدلالهم بمفهوم حديث القُلَّتين؛ فقد قال الشوكاني رحمه الله في «السيل الجرار» (1/ 55): وأما ما كان دون القلتين، فلم يقل الشارع إنه يحمل الخبث قطعًا، وبتًّا، بل مفهوم حديث القلتين يدل على أن ما دونهما قد يحمل الخبث، وقد لا يحمله، فإذا حمله فلا يكون ذلك إلا بتغير بعض أوصافه، فيقيد مفهوم حديث القلتين بحديث التغير المجمع على قبوله، والعمل به كما قيد منطوقه بذلك. اهـ
2) 3) وأما دليلهم الثاني والثالث، فقد قال الصنعاني رحمه الله في «سبل السلام» (1/ 41): وأحاديث الاستيقاظ، والماء الدائم، والولوغ، ليست ورادة لبيان
(1)
وانظر «توضيح الأحكام» (1/ 124).