الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، إن كانت المرأة تعرف انتهاء حيضها بخروج القصة البيضاء، وإن كانت تعرف حيضتها بالجفاف، ولا عادة لها معلومة؛ فالعمل على القول الثالث.
(1)
مسألة [8]: علامات الطُّهْرِ
.
للطُّهْرِ علامتان:
الأولى: خروج القصة البيضاء، وهو ماءٌ أبيض، يدفعه الرَّحِم عَقِبَ الحيض، وهو حاصل عند كثير من النساء.
وصحَّ عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول للنساء: لا تعجلنَ حتى ترين القصة البيضاء. أخرجه مالك (1/ 59)، وعلقه البخاري في [كتاب الحيض باب رقم (19)].
الثانية: الجفاف، وذلك في حقِّ النساء اللاتي لا يخرج منهن القصة البيضاء، وذلك بأن تحتشي بقطنة بيضاء، أي: تدخلها محل الحيض، وتخرج ولم تتغير، والعلامة الأُولى أضبط؛ لأنه قد يحصل الجفاف لتأخر خروج الدم، لا لانقطاعه، والله أعلم.
مسألة [9]: هل يأتي الحاملَ الحيضُ
؟
• في المسألة قولان:
الأول: أن الحامل لا يأتيها الحيض، وهذا قول جمهور التابعين، منهم: سعيد
(1)
وانظر: «المغني» (1/ 437)، «المجموع» (2/ 502)، «الشرح الممتع» (1/ 435).
ابن المسيب، وعطاء، والحسن، وجابر بن زيد، وعكرمة، ومحمد بن المنكدر، والشعبي، ومكحول، وحماد، وهو مذهب أحمد، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وأبي عبيد، وأبي ثور، وابن المنذر، وهو ظاهر ترجيح البخاري.
واستدل هؤلاء بقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228]، وقال في الحامل:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4].
واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لعمر: «مره، فليراجعها، ثم ليطلقها طاهراً، أو حاملًا»
(1)
، فجعل الحمل عَلَمًا على عدم الحيض، كما جعل الطُّهْرَ عَلَمًا عليه، واستدلوا بقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في السبايا:«لا توطأُ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة»
(2)
، فجعل وجود الحيض عَلَمًا على براءة الرحم، واحتجوا بالواقع عند النساء، أن الحامل لا تحيض، حتى قال أحمد: إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم.
الثاني: أنَّ الحامل قد تحيض إذا كان ما يأتيها من الدم هو الحيض المعروف، المعتاد، وهذا قول مالك، والشافعي، والليث، وإسحاق، وأحمد في رواية، قيل: إنه رجع إليه، وعن مالك رواية كالقول الأول، واحتج هؤلاء بالوجود، قال صاحب «الإنصاف»: وهو الصواب، وقد وجد في زماننا وغيره أنها تحيض مقدار حيضها قبل ذلك، ويتكرر في كل شهر على صفة حيضها.
(1)
سيأتي في الكتاب برقم (1070).
(2)
سيأتي في الكتاب برقم (1120).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والحامل إذا رأت الدم على الوجه المعروف لها؛ فهو دم حيض، بناءً على الأصل.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» (318): وما ادَّعاه المخالف من أنه رشح من الولد، أو من فضل غذائه، أو دمِ فساد لعلة، فمحتاج إلى دليل، وما ورد في ذلك من خبر، أو أثر لا يثبت؛ لأنَّ هذا دمٌ بصفات دم الحيض، وفي زمان إمكانه، فله حكم دم الحيض، فمن ادَّعى خلافه؛ فعليه البيان. اهـ
وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا القول، واستدل عليه بقوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة:222]، فإذا خرج هذا الأذى، ووجد، ثبت حكمه. وقد رَجَّح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشيخ محمد بن إبراهيم، وغيرهم.
وهذا القول هو الراجح -والله أعلم-، وأما كون عدة الحامل وضع الحمل، فلا ينافي أنه قد يحصل الحيض عند بعض النساء، ولكنها لا تعتد به، وإنما تعتد بوضع الحمل؛ لقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:4]، وأما جعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- استبراء الأَمَة بالحيضة؛ فذلك لأنَّ غالب النساء لا يحضن أثناء الحمل، وإلا فلو وُجِدَ أمة تحيض أثناء حملها؛ لما اكتفي للاستبراء بحيضة، بل لابد من معرفة عدم وجود الحمل، والله أعلم.
(1)
(1)
وانظر: «المغني» (1/ 443 - 444)، «الفتح» (318)، «المجموع» (2/ 386)، «المحلَّى» (264)، «الشرح الممتع» (1/ 404 - 405)، «غاية المرام» (2/ 652 - 653)، «مجموع الفتاوى» (19/ 239).