الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِهَذَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمَكْحُولٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ.
والراجح ما ذهب إليه الجمهور من عدم إعادة الصلاة، وقد استدلوا بحديث أبي سعيد الخدري المتقدم، وقد تقدم الكلام عليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَيَمَّمَ، وَهُوَ يَرَى بُيُوتَ الْمَدِينَةِ، فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، فَلَمْ يُعِدْ
(1)
؛ وَلِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ. اهـ
وقد نقل النووي عن الأوزاعي استحباب الإعادة كما في «شرح المهذب» (2/ 306)، ولا دليل على الاستحباب، بل لا يجوز الإعادة لها؛ لقوله -صلى الله عليه وعلى آلوه وسلم-:«لا تصلوا صلاةً في يوم مرتين»
(2)
، وهذا ترجيح ابن حزم رحمه الله في «المحلَّى» (234)، ثم الإمام ابن عثيمين رحمه الله «الشرح الممتع» (1/ 344).
مسألة [3]: أيهما المختار: تأخير التيمم، أو تقديمه
؟
• في المسألة أربعة أقوال:
الأول: تأخير التيمم أولى بكل حال، وهو قول عطاء، والحسن، وابن سيرين، والزهري، وأحمد، والثوري، وأبي حنيفة.
(1)
أثر ابن عمر رضي الله عنهما أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (2/ 60) بإسناد صحيح.
(2)
أخرجه أبو داود (579)، والنسائي (2/ 114)، من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن سليمان بن يسار يعني مولى ميمونة، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما به. وهذا إسنادٌ حسنٌ.
قال ابن قدامة رحمه الله: لأنه يستحب تأخير الصلاة إلى بعد العَشَاء، وقضاء الحاجة؛ كيلا يذهب خشوعها، وحضور القلب، ويستحب تأخيرها؛ لإدراك الجماعة، فتأخيرها لإدراك الطهارة المشترطة أولى.
الثاني: استحباب التأخير إنْ رجا وجود الماء، وإن يئس من وجوده استحب تقديمه، وهو مذهب مالك، وأبي الخطاب الحنبلي.
الثالث: التقديم أفضل؛ إلا أن يكون واثقًا بوجود الماء في الوقت؛ لأنه لا يستحب ترك فضيلة أول الوقت، وهي متحققة لأمر مظنون، وهذا مذهب الشافعي.
الرابع: التقديم أفضل مطلقًا وهو قول الظاهرية، وابن حزم؛ لعموم قوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]، وقوله:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148].
وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه تيمم، وصلى العصر، ثم دخل المدينة، والشمس مرتفعة، فلم يُعِدْ.
(1)
وثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في «الصحيحين»
(2)
، عن أبي جهيم، قال: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من نحو بئر جمل، فلقيه رجلٌ، فسَلَّمَ عليه، فلم يَرُدَّ عليه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه، ويديه، ثم ردَّ عليه السلام.
(1)
تقدم تخريجه في المسألة السابقة.
(2)
أخرجه البخاري (337)، ومسلم (369).
وهذا القول هو الراجح؛ لما فيه من إبراء الذمة مع ما تقدم ذكره.
وقد رجَّح هذا القول الشوكاني رحمه الله في «السيل الجرار» (1/ 134)، حيث قال: الأوقات المضروبة للصلاة لا تختص بطهارة دون طهارة، فطهارة التراب كطهارة الماء، في أَنَّ كُلَّ واحدة منهما تُؤَدَّى بها الصلاة في الوقت المضروب لها، ومن زعم أن ذلك يختص بالصلاة المؤَدَّاة بالطهارة بالماء؛ فعليه الدليل، ولا دليل أصلا. اهـ
وقال ابن حزم رحمه الله في «المحلَّى» (2/ 120): التعلق بتأخير التيمم لعله يجد الماء لا معنى له؛ لأنه لا نص، ولا إجماع على أن عمل المتوضئ أفضل من عمل المتيمم، ولا على أن صلاة المتوضئ أفضل ولا أتم من صلاة المتيمم، وكلا الأمرين طهارة تامة، وصلاة تامة، وفرض في حالة؛ فإذ ذلك كذلك، فتأخير الصلاة رجاء وجود الماء ترك للفضل في البدار إلى أفضل الأعمال بلا معنى. اهـ
قلتُ: لكن إذا كانت الصلاة مما يستحب تأخيرها؛ فالأفضل أن يؤخر التيمم كصلاة العشاء إذا لم يفوت على نفسه الجماعة، وصلاة الظهر عند الإبراد، وجمع التأخير للمسافر، والله أعلم.
(1)
(1)
وانظر: «المغني» (1/ 319)، «المحلَّى» (222).