الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن غسله للنظافة؛ لأن الأصل في الغسل أنه للنجاسة، إذ هي المأمور بغسلها، ولأن في غسله إتلافاً للماء، وإتعاباً للغاسل من غير ضرورة.
وتعقب هذا من وجوه:
الأول: أن عائشة رضي الله عنها كانت تفركه يابساً، ولا تغسله، فلو كان نجساً لما اكتفت بفركه، ولوجب غسله كالمذي.
ثانياً: هذا الأمر مجرد فعل من عائشة، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره.
ثالثاً: إن الثوب قد يغسل من المخاط والبصاق وكل ما يستقذر، ولا يكون هذا كافياً في الدلالة على نجاسته، وقد حث الإسلام على النظافة، فقد يتلف الماء في إزالة ما هو طاهر كغسل الثوب لإزالة الأوساخ ونحوها، وكما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في إزالة النخامة من المسجد وتطييب محلها
(1)
.
الدليل الخامس:
(1552 - 80) ما رواه مسلم، قال: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا خالد ابن عبد الله، عن خالد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، أن رجلاً نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً فيصلي فيه.
وجه الاستدلال:
قال القرطبي: وهذا من عائشة يدل على أن المني نجس، وأنه لا يجزئ فيه إلا غسله، فإنها قالت: إنما: وهي من حروف الحصر، ويؤيد هذا ويوضحه
(1)
صحيح مسلم (3008).
قولها: فإن لم تر نضحت حوله، فإن النضح إنما مشروعيته حيث تحققت النجاسة، وشك في الإصابة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أصبح يغسل جنابة من ثوبه، فقال: أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر
(1)
.
فإن قيل: ألم تقل: ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً، فيصلي فيه، ألا يدل هذا على طهارته؟
قيل: لا يدل؛ لأن النجاسة تزال بأي مزيل، والفرك في حق النجاسة اليابسة كاف في تطهيرها، كما كانت طهارة النعل بدلكه في الأرض، وسنذكره إن شاء الله في أدلة القول الثاني.
فالجواب:
أن المني سائل ثخين، ويتشرب جزء منه الثوب كالبول والمذي بخلاف النعل إذا علق به سرجين يابس فدلك زالت النجاسة بالكلية، فلو كان نجساً لما اقتصر على فركه، ولذلك فإن فالمالكية
(2)
، وهي رواية الحسن عن أبي حنيفة
(3)
،
(1)
المفهم (1/ 558).
(2)
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 113): ولا يجزئ عند مالك وأصحابه في المني ولا في سائر النجاسات إلا الغسل بالماء، ولا يجزئ فيه عنده الفرك، وأنكره، ولم يعرفه. اهـ
وانظر حاشية الدسوقي (1/ 111)، مواهب الجليل (1/ 285)، مختصر خليل (ص: 15)، التاج والإكليل (1/ 285،285)، المفهم للقرطبي (1/ 558)، والمدونة (1/ 128)، المنتقى شرح الموطا (1/ 103).
(3)
قال في بدائع الصنائع (1/ 85): وإن جف -يعني: المني- فهل يطهر بالحت؟ روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يطهر. وذكر الكرخي أنه يطهر. وجه رواية الحسن أن القياس أن لا يطهر في الثوب إلا بالغسل، وإنما عرفناه بالحديث. وأنه ورد في الثوب بالفرك، فبقي البدن مع أنه لا يحتمل الفرك على أصل القياس. =