الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد سبق بحث مستقل في طهارة الأعيان النجسة بالاستحالة، مع ذكر حجج الفريقين، فارجع إليها غير مأمور.
دليل من قال: يكون الماء طاهراً غير مطهر:
قالوا: لا يكون مثل هذا الماء طهوراً، وقد زالت به النجاسة، ولا يكون نجساً، وهو ماء كثير غير متغير، قاسوه على الماء القليل إذا كان آخر غسلة زالت بها النجاسة عندهم، فإنه عندهم يكون طاهراً غير مطهر.
وقد ترجح في بحث سابق أن الماء قسمان: طهور ونجس، ولا يوجد قسم من المياه يكون طاهراً غير مطهر
(1)
.
الراجح: أن الماء إذا زال تغيره بنفسه فإنه يكون طاهراً مطهراً، وإنما حكم عليه بالنجاسة لتغيره بها، وقد زال عنه هذا الوصف، فرجع إلى أصله.
هذا خلاف أهل العلم في الماء الكثير إذا زال تغيره بنفسه، وهل يختلف الحكم إذا كان الماء المتغير بنفسه قليلاً؟
الجواب: اختلف أهل العلم في الماء النجس القليل إذا زال تغيره بنفسه:
فقيل: إذا وقعت في الأواني أو في الحوض الصغير نجاسة، فلهم في تطهير الماء بشرط زوال تغيره إن وجد ثلاثة أقوال:
فقيل: إذا دخل فيه ماء آخر، وخرج الماء منه طهر، وإن قل إذا كان الخروج حال دخول الماء فيه؛ لأنه بمنزلة الجاري.
وقيل: لا يطهر إلا بخروج ما فيه.
وقيل: لا يطهر إلا بخروج ثلاثة أمثال ما كان فيه من الماء، وسائر
(1)
انظر كتابي أحكام الطهارة (مجلد المياه والآنية) من هذه السلسلة.
المائعات كالماء في القلة والكثرة، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
تعليل الحنفية:
أن الماء النجس إذا دخل فيه ماء آخر، وخرج الماء منه، وكان خروج الماء حال دخول الماء الجديد فيه؛ أصبح بمنزلة الماء الجاري، والماء الجاري لا ينجس إلا بالتغير.
وقيل: إنه لا يمكن أن يطهر بنفسه، وهو قليل، وهو مذهب المالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
لأن الماء القليل عند الشافعية والحنابلة ينجس مطلقاً إذا لاقى النجاسة ولو لم يتغير، فزوال النجاسة إنما هو شرط في تطهير الماء الكثير، وأما الماء القليل فإنه ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة.
ويستدلون بأدلة أشهرها:
(1719 - 247) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله،
عن ابن عمر، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض الفلاة
(1)
تبيين الحقائق (1/ 23)، بدائع الصنائع (1/ 87)، شرح فتح القدير (1/ 81).
(2)
الخرشي (1/ 80، 81)، منح الجليل (1/ 42، 43)، حاشية الدسوقي (1/ 46، 47)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 41، 42).
(3)
المجموع (1/ 183 - 191)، الحاوي (1/ 339)، مغني المحتاج (1/ 22، 23)، روضة الطالبين (1/ 20، 21)، شرح زبد ابن رسلان (ص: 1/ 28، 29)، المهذب (1/ 7).
(4)
الإنصاف (1/ 66)، الكافي (1/ 10)، كشاف القناع (1/ 38)، المغني (1/ 52)، المبدع (1/ 58).
وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث
(1)
.
[إسناده صحيح إن شاء الله]
(2)
.
وجه الاستدلال بالحديث من وجهين:
الوجه الأول:
أن قوله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، مفهومه أنه إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث.
الوجه الثاني:
لو كان الماء لا ينجس إلا بالتغير لم يكن للتحديد بالقلتين فائدة؛ لأن الماء إذا تغير بالنجاسة نجس، ولو كان مائة قلة.
الدليل الثاني:
(1720 - 148) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، قال: أخبرنا أبو الزناد، أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدثه،
أنه سمع أبا هريرة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه.
ولمسلم: ثم يغتسل منه
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم: نهى عن البول في الماء الدائم، وقد يتغير، وقد لا يتغير، ونهيه عن الاغتسال فيه دليل على أنه يؤثر فيه البول، ولم يشترط الرسول صلى الله عليه وسلم التغير.
(1)
المصنف (1/ 133) رقم 1526.
(2)
سبق تخريجه انظر حديث (88) من كتابي: أحكام الطهارة (المياه والآنية).
(3)
البخاري (239)، ومسلم (239).
الدليل الثالث:
(1721 - 249) ما رواه مسلم، قال: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب.
(1722 - 250) ورواه مسلم من طريق علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرار
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، وجعله طهارة لهذا الإناء، كما أمر بإراقة سؤره، ولم يفرق بين ما تغير وما لم يتغير، وهذا دليل على أن النجاسة تؤثر في الماء ولو لم يتغير الماء.
وإذا كان الماء القليل يحكم له بالنجاسة ولو لم يتغير لم يكن زوال تغيره بنفسه مؤثراً في طهارته.
والصحيح أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، وقد سبق الكلام على هذه المسألة في بحث مستقل، وذكرت أدلة الأقوال في كتاب أحكام الطهارة، فأغنى عن إعادته هنا.
(1)
صحيح مسلم (279).