الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث:
الأصل في الماء أنه طهور، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع أو قول صاحب لا مخالف له، والفرق بين الماء النجس والماء الطهور: هو أنه يوجد في الماء النجس صفات يحكم من خلالها بنجاسته، فإذا لم يظهر في الماء أثر النجاسة لا في لونه، ولا في طعمه، ولا في رائحته، فكيف نحكم عليه بأنه نجس
(1)
.
الدليل الرابع:
معلوم أنه إذا استحال الشيء بالشيء حتى لا يرى له ظهور يحكم له بالعدم، وعلى هذا فلو وقعت قطرة من لبن امرأة في ماء، فاستهلكت، وشربه الرضيع خمس رضعات فأكثر لم تنتشر الحرمة، ولو كانت قطرة خمر فاستهلكت في الماء البتة لم يجلد بشربه، فكذلك لو كانت قطرة بول لم تغير الماء يبقى الماء على أصله
(2)
.
الدليل الخامس:
(1602 - 130) ما رواه البخاري، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود،
أن أبا هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأهريقوا على بوله سجلاً من ماء، أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين
(3)
.
(1)
انظر بتصرف مجموع الفتاوى (21/ 35).
(2)
بدائع الفوائد (3/ 258)، مجموع الفتاوى (21/ 33).
(3)
صحيح البخاري (220).
وجه الاستدلال:
قالوا: نعلم قطعاً أن بول الأعرابي باق في موضعه، وإن صب ذلك الماء عليه، وإنما قضى النبي صلى الله عليه وسلم بطهارة ذلك الموضع لغلبة الماء له، واستغراقه عليه، واستهلاك أجزائه لأجزاء البول لغلبته عليه.
وقال الباجي: وهو حجة على أبي حنيفة والشافعي وغيرهما، في قولهم: إن قليل الماء ينجسه قليل النجاسة، وإن لم تغيره، وهذا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أرفع المواضع التي يجب تطهيرها، وقد حكم النبي فيه صلى الله عليه وسلم بصب دلو من ماء على ما نجس بالبول، ولا معنى له إلا تطهيره للمصلين فيه
(1)
.
قلت: ولا ينفكون منه بالتفريق بين ورود النجاسة على الماء، وورود الماء على النجاسة؛ لأن هذا التفريق لم يقم عليه دليل، ولا أثر له في الحكم الشرعي.
(1603 - 131) وأما الجواب عما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد ابن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله،
عن ابن عمر، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث
(2)
.
[إسناده صحيح إن شاء الله]
(3)
.
(1)
المنتقى (1/ 129).
(2)
المصنف (1/ 133) رقم 1526.
(3)
سبق تخريجه، انظر حديث رقم (88) من أحكام الطهارة: كتاب المياه.
قالوا في وجه الاستدلال: من الحديث:
إن قوله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، مفهومه أنه إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث، فلو كان الماء لا ينجس إلا بالتغير لم يكن للتحديد بالقلتين فائدة؛ لأن الماء إذا تغير بالنجاسة نجس، ولو كان مائة قلة.
فالجواب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن يقال عندنا منطوق ومفهوم، والمنطوق مقدم علىالمفهوم.
فحديث: "الماء طهور لا ينجسه شيء" منطوقه يشمل القليل والكثير.
وحديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" منطوقه موافق لحديث:"إن الماء طهور لا ينجسه شىء" لأن منطوقه أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء.
ومفهومه: أن الماء إذا كان دون القلتين فإنه ينجس، وهذا المفهوم معارض لمنطوق حديث أبي سعيد، فيقدم المنطوق على المفهوم، فنأخذ من حديث القلتين منطوقه فقط، ولا نأخذ مفهومه؛ لأنه يعارض منطوق حديث أبي سعيد.
قال ابن المنذر في الأوسط للتدليل على هذه القاعدة: ونظير ذلك قوله تعالى {حافظوا على الصلوات} الآية
(1)
، فأمر بالمحافظة على الصلوات، والصلوات داخلة في جملة قوله:{حافظوا على الصلوات}
(2)
، ثم خص
(1)
البقرة: 238.
(2)
البقرة: 238.
الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها، فقال:{والصلاة الوسطى}
(1)
، فلم تكن خصوصية الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها مخرجاً سائر الصلوات من الأمر العام الذي أمر بالمحافظة على الصلوات " اهـ
(2)
.
فكأن ابن المنذر يقول مفهوم {والصلاة الوسطى}
(3)
الآية، لم يؤخذ ويعارض به منطوق حافظوا على الصلوات.
أو نقول بتعبير آخر: إذا ذكر عموم، ثم ذكر فرد من أفراد العموم يوافق العموم في الحكم، فإن هذا الفرد لا يعتبر مخصصاً ولا مقيداً للعموم.
مثال ذلك: إذا قلنا: أكرم طلبة العلم، فهذا لفظ يفيد عموم الطلبة، ثم قلنا: أكرم زيداً، وكان زيد من طلبة العلم، فإنه لا يفهم منه تخصيص الإكرام لزيد وحده.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن الماء طهور لا ينجسه شىء" هذا عام يشمل القليل والكثير، ثم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بحديث القلتين، أن الماء الكثير لا ينجس، فهو فرد من أفراد قوله صلى الله عليه وسلم:"الماء طهور لا ينجسه شيء" فلا يقتضي تخصيصه ولا تقييده.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطي حكماً أغلبياً وليس حكماً مطرداً. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: في حديث ابن عمر: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " هل معنى ذلك أنه لا ينجس أبداً؟.
الجواب: لا. إذ لو تغير بالنجاسة لنجس إجماعاً، ولكن معنى لم يحمل الخبث: أي غالباً لا يتغير بالنجاسة.
(1)
البقرة: 238.
(2)
الأوسط (1/ 270).
(3)
البقرة: 238.