الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
هل يتعين الماء لإزالة النجاسة
.
اختلف العلماء في هذه المسألة.
فقيل: لا تزال النجاسة إلا بالماء الطهور.
وهو مذهب المالكية
(1)
، والشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
، ومحمد وزفر من الحنفية
(4)
.
وقيل: النجاسة تزال بأي مائع مزيل، ولا يتعين الماء.
وهو المشهور من مذهب الحنفية
(5)
، واختيار ابن تيمية
(6)
.
(1)
المقدمات لابن رشد (1/ 86)، القوانين الفقهية ـ ابن جزي (ص: 25)، منح الجليل (1/ 30)، الشرح الصغير (1/ 31).
(2)
مغني المحتاج (1/ 17، 18)، المجموع (1/ 142)، روضة الطالبين (1/ 7)، نهاية المحتاج (1/ 61).
(3)
الإنصاف (1/ 309)، كشاف القناع (1/ 181)، الفروع (1/ 259).
(4)
انظر بدائع الصنائع (1/ 83)، حاشية ابن عابدين (1/ 309)، البناية (1/ 711).
(5)
بدائع الصنائع (1/ 83)، البحر الرائق (1/ 233)، مراقي الفلاح (ص 64، 65)، رؤوس المسائل للزمخشري (ص: 93)، البناية (1/ 709) إلا أنهم نصوا على وجوب الماء في طهارة المذي، انظر شرح معاني الآثار (1/ 48)، شرح فتح القدير (1/ 72)، المبسوط (1/ 6).
(6)
الإنصاف (1/ 309)، الفروع (1/ 259)، مجموع الفتاوى (20/ 522)، (21/ 610، 611) إلا أن ابن تيمية يرى أن النجاسة تزال بأي مزيل قالع للنجاسة، ولو لم يكن مائعاً بخلاف الحنفية.
قال العيني في البناية (1/ 709): وشُرِط ثلاثة أشياء في إزالة النجاسة:
الأول: كونه مائعاً يسيل كالخل ونحوه. =
وقيل: إن نص الشارع على تطهيره بالماء كنجاسة دم الحيض والمذي لم يجز العدول إلى غيره.
وإن نص الشارع على غير الماء كطهارة النعلين، فيجوز الاقتصار عليه.
ويجوز العدول إلى الماء؛ لأن الماء أقوى من غيره بالتطهير.
وإن كان الشارع لم ينص على مادة التطهير، وجب الاقتصار على الماء فقط. وهذا القول اختيار الشوكاني رحمه الله
(1)
.
وسبب الاختلاف بين الفقهاء: اختلافهم في فهم الأدلة الواردة في هذا الباب، فقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تطهير دم الحيض وبول الأعرابي والمذي والكلب يلغ في الإناء وآنية أهل الكتاب إذا لم يوجد غيرها ونحو ذلك إلى تطهيرها بالماء في أحاديث صحيحة، وكل هذه الأحاديث قد ذكرت في مسائل سابقة متفرقة، فأخذ منها الجمهور أن النجاسة لا تزال إلا بالماء.
وقاس عليه الحنفية كل مائع مزيل للنجاسة.
= الثاني: أن يكون المائع طاهراً؛ لأن النجس لا يزيل النجاسة.
الثالث: أن يكون المائع الطاهر مزيلاً كالخل وماء الورد ونحوهما، واحترز به عن الدهن والدبس واللبن ونحوها؛ لأن بها تنبسط النجاسة، ولا تزول.
وفي الذخيرة روى الحسن عن أبي يوسف: لو غسل الدم من الثوب بدهن أو سمن أو زيت حتى أذهب أثره جاز، الخ كلامه رحمه الله.
ومع ذلك فهم نصوا على طهارة بعض النجاسات بالدلك، وبعضها بالمسح بشروط معينة، كطهارة النعل والسكين، وسوف يأتي بسط هذه الأشياء في مسائل مستقلة إن شاء الله تعالى.
(1)
انظر نيل الأوطار (1/ 70)، والسيل الجرار (1/ 49).
وورد الاستجمار بالحجارة، وهي إزالة للنجاسة بغير الماء، كما ثبت طهارة النعل بدلكها بالتراب، وذيل المرأة يمر بالمكان النجس يطهره ما بعده من التراب الطهور، والهرة تأكل الفأرة يطهره ريقها، والخمر يتخلل فيطهر بنفسه بدون أن يضاف إليه ماء طهور، والمسلم يشرب الخمر فيطهر الريق فمه على القول بنجاسة الخمرة، فأخذ منها بعض العلماء جواز إزالة النجاسة بكل مزيل، سواء كان مائعاً أو جامداً.
وأجاب الجمهور عن الاستجمار بالحجارة بأنه خاص في موضعه لعموم البلوى فيه، فإذا تجاوز الخارج موضع العادة تعين الماء عند الجمهور
(1)
، وتعين المائع المزيل عند الحنفية
(2)
، ولا يوجد دليل على أن إزالة النجاسة بالأحجار خاص بالاستجمار، والقياس يقتضي جواز إزالة النجاسة بالحجارة في أي موضع على البدن.
كما حملوا تطهير النعل بالدلك على نجاسة يابسة لا تتعدى، فإذا دلكها بالتراب سقطت وأما المحل فلم يتنجس أصلاً، وبعضهم يرى أن النعل نجس نجاسة معفواً عنها تخفيفاً من الشارع، وسيأتي تفصيل الكلام فيه إن شاء الله تعالى، ومثله ذيل المرأة.
(1)
انظر في مذهب المالكية مواهب الجليل (1/ 285)، الخرشي (1/ 148)، حاشية الدسوقي (1/ 112)، منح الجليل (1/ 105).
وانظر في مذهب الشافعية: الأم (1/ 22)، روضة الطالبين (1/ 68)، المجموع (2/ 142).
وانظر في مذهب الحنابلة: المبدع (1/ 89)، الإنصاف (1/ 105)، كشاف القناع (1/ 66).
(2)
البحر الرائق (1/ 254)، مراقي الفلاح (ص: 18).
وقد بحثت هذه المسألة بشيء من التفصيل في كتابي الحيض والنفاس رواية ودراية وترجح أن النجاسة متى زالت بأي مزيل فقد زال حكمها، فأغنى عن إعادته هنا
(1)
.
(1)
في مبحث (هل يتعين الماء لإزالة دم الحيض).