الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في أجزاء الميتة
المبحث الأول
في عظم الميتة وقرنها وحافرها
عظم الحيوان المأكول اللحم المذكى طاهر إجماعاً، كما أن عظم الآدمي طاهر تبع لذاته على الصحيح، ولكن لا يجوز استعماله ولو من كافر لكرامة المؤمن، وتحريم المثلة في الكافر
(1)
.
وأما عظم الحيوان غير المذكى، سواء كان من مأكول اللحم أم غير مأكول اللحم فقد اختلف العلماء في طهارته على النحو التالي:
فقيل: إن عظام هذا الحيوان طاهرة، وهو مذهب الحنفية، ورجحه ابن تيمية
(2)
إلا أن الحنفية يستثنون أمرين:
الأول: عظم الخنزير.
الثاني: ما أبين من الحي فهو عندهم كميتته، فيحكمون بنجاسة السن والأذن وغيرهما في حق غير صاحبها، أما في حق صاحبها فطاهرة
(3)
.
(1)
انظر غمز عيون البصائر (4/ 214)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 52)، تحفة المحتاج (1/ 117)، كشاف القناع (1/ 51)، المحلى (1/ 426).
(2)
الفتاوى الكبرى (1/ 267).
(3)
الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 167)، البحر الرائق (1/ 112)، تبيين الحقائق (1/ 26)، بدائع الصنائع (1/ 63)، الهداية شرح البداية (3/ 46)، الجامع الصغير (ص: 329)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 170) و (3/ 33).
وقيل: إن العظم له حكم ميتته، فما كانت ميتته طاهرة فعظمه طاهر، وما كانت ميتته نجسة فعظمه نجس، وهو المشهور من مذهب المالكية
(1)
، والشافعية
(2)
،
والحنابلة
(3)
.
(1)
المنتقى (3/ 136)، حاشية الدسوقي (1/ 53،54)، الخرشي (1/ 89)، مختصر خليل (ص:7)، حاشية العدوي (1/ 585)، الفواكه الدواني (2/ 287)، التمهيد (9/ 52)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 50).
(2)
قال الشافعي في الأم (1/ 23): " ولا يتوضأ ولا يشرب في عظم ميتة، ولا عظم ذكي لا يؤكل لحمه، مثل عظم الفيل والأسد وما أشبهه؛ لأن الدباغ والغسل لا يطهران العظم. اهـ وانظر المجموع (1/ 291)، وقد نص النووي رحمه الله على كراهة استعمال عظام الميتة في شيء يابس، ولا يحرم؛ لأن النجاسة هنا لا تتعدى، قال رحمه الله (1/ 198): العاج المتخذ من عظم الفيل نجس عندنا كنجاسة غيره من العظام، لا يجوز استعماله في شيء رطب، فإن استعمل فيه نجسه، قال أصحابنا: ويكره استعماله في الأشياء اليابسة لمباشرة النجاسة، ولا يحرم؛ لأنه لا يتنجس به، ولو اتخذ مشطاً من عظم الفيل فاستعمله في رأسه أو لحيته، فإن كانت رطوبة من أحد الجانبين تنجس شعره، وإلا فلا، ولكنه يكره ولا يحرم، هذا هو المشهور للأصحاب. ورأيت في نسخة من تعليق الشيخ أبي حامد أنه قال: ينبغي أن يحرم، وهذا غريب ضعيف. قلت (القائل النووي): وينبغي أن يكون الحكم هكذا في استعمال ما يصنع ببعض بلاد حوران من أحشاء للغنم على هيئة الأقداح والقصاع ونحوها، لا يجوز استعماله في رطب، ويجوز في يابس مع الكراهة، قال الروياني: ولو جعل الدهن في عظم الفيل للاستصباح أو غيره من الاستعمال في غير البدن فالصحيح جوازه، وهذا هو الخلاف في جواز الاستصباح بزيت نجس؛ لأنه ينجس بوضعه في العظم .. هذا تفصيل مذهبنا في عظم الفيل، وإنما أفردته عن العظام كما أفرده الشافعي ثم الأصحاب، قالوا: وإنما أفرده لكثرة استعمال الناس له، ولاختلاف العلماء فيه، فإن أبا حنيفة قال بطهارته بناء على أصله في كل العظام، وقال مالك في رواية: إن ذكي فطاهر وإلا فنجس، بناء على رواية له أن الفيل مأكول، قال إبراهيم النخعي: إنه نجس، لكن يطهر بخرطه، وقد قدمنا دليل نجاسة جميع العظام وهذا منها، ومذهب النخعي ضعيف بين الضعف. والله أعلم. وانظر في مذهب الشافعية: حاشية البجيرمي (1/ 35)، وحاشية الشرواني (1/ 117)، روضة الطالبين (1/ 43، 44).
(3)
مختصر الخرقي (ص: 16)، المغني (1/ 56)، دليل الطالب (ص: 5)، المبدع (1/ 74، 76)، كشاف القناع (1/ 56)، الإنصاف (1/ 92)، الكافي (1/ 20).
وقيل: لا يجوز بيع العظام، ويجوز الانتفاع بها، وهو اختيار ابن حزم
(1)
.
وقال بعضهم: إن العظام نجسة، تطهر بالدباغ، ودباغها غليها، اختاره بعض المالكية
(2)
.
وسبب اختلافهم في عظام الميتة، اختلافهم في نجاسة الميتة هل هو بسبب احتقان الدم فيها، ولذلك الحيوان الذي لا دم له لا ينجس بالموت، فكذلك العظام من باب أولى؛ لأنه لا دم فيها، وهذا جلد الميتة إذا دبغ وانقطعت عنه الرطوبة النجسة أصبح طاهراً، فالعظام من باب أولى؛ إذ لا رطوبة فيها أصلاً. أو أن الموت هو سبب النجاسة، والعظام جزء من الميتة فتنجس بالموت؟
وهل النمو والتغذية في هذه العظام من خصائص الحياة الحيوانية، فيدخله الموت، أو أن الموت خاص في الحس والحركة المستقلة، وليس في العظام شيء من ذلك، وبالتالي لا يلحقها الموت؟.
وقد سبق ذكر هذه المسألة في بحث مستقل، وذكر أدلة كل قول، والجواب عن أدلة القول المرجوح، وسبق أيضاً رجحان طهارة عظام الميتة مما أغنى عن إعادته في هذا الكتاب
(3)
.
(1)
قال في المحلى (1/ 132): وأما العظم والريش والقرن فكل ذلك من الحي بعض الحي، والحي مباح ملكه وبيعه إلا ما منع من ذلك نص، وكل ذلك من الميتة ميتة، وقد صح تحريم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الميتة، وبعض الميتة ميتة، فلا يحل بيع شيء من ذلك، والانتفاع بكل ذلك جائز، لقوله عليه السلام:" إنما حرم أكلها" فأباح ما عدا ذلك إلا ما حرم باسمه من بيعها والادهان بشحومها، ومن عصبها ولحمها. اهـ
(2)
المنتقى شرح الموطا (3/ 136، 137).
(3)
انظر كتابي أحكام الطهارة (باب المياه والآنية)(ص: 545).