الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في إزالة النجاسة بالأطعمة
نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء بالعظم والروث؛ لأنه طعام الجن وطعام دوابهم، فالنهي عن طعام الإنس وطعام دوابهم من باب أولى، والاستنجاء نوع من إزالة النجاسة عن البدن.
وكما أنه إذا نهي عن الاستنجاء بها نهي عن التبول عليها من باب أولى.
(1662 - 190) فقد روى مسلم، قال: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، عن داود، عن عامر قال:
سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن، قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود، فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل. قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء. قال: فقلنا: يا رسول الله فقدناك، فطلبناك، فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما؛ فإنهما طعام إخوانكم
(1)
.
(1)
مسلم (450).
ولهذا ذهب الأئمة الأربعة
(1)
إلى تحريم الاستنجاء بالطعام.
وإذا خالف واستنجى أجزأه إذا حصل الإنقاء عند الحنفية والمالكية.
وقيل: لا يجزئ في مذهب الشافعية والحنابلة.
ومثل طعام الآدمي طعام البهيمة فلا يستنجي به
(2)
.
ولأن الاستنجاء بالطعام مناف لشكر النعمة وتعظيمها، وعدم امتهانها، وقد ينتفع بها حيوان أو طير أو غيرهما من دواب الأرض.
وأجاز بعض الفقهاء إزالة النجاسة ببعض الأطعمة إذا اضطر إلى ذلك كما لو لم يكن هناك ماء، أو كان يفسد الماء المحل المتنجس.
(1)
أطلق الكراهة في مراقي الفلاح (ص: 20) قال: ويكره الاستنجاء بعظم وطعام لآدمي
…
الخ. ولعلها كراهة تحريم كالجمهور، فإن الموجود في الدر المختار (1/ 339) "وكره تحريماً بعظم وطعام وروث .. الخ. وقال في البحر الرائق (1/ 255): والظاهر أنها كراهة تحريم.
وقال ابن عبد البر من المالكية في كتابه الكافي (ص: 17): وما يجوز أكله لا يجوز الاستنجاء به. اهـ وانظر حاشية العدوي على الخرشي (1/ 151)، مواهب الجليل (1/ 286)، التاج والإكليل (1/ 286)، مختصر خليل (ص: 15).
وفي مذهب الشافعية: قال في المجموع (2/ 135): لا يجوز الاستنجاء بعظم ولا خبز ولا غيرهما من المطعوم، فإن خالف واستنجى به عصى، ولا يجزئه هكذا نص عليه الشافعي، وقطع به الجمهور، ثم قال: وإذا لم يجزئه المطعوم كفاه بعده الحجر إن لم ينشر النجاسة. اهـ وانظر إعانة الطالبين (1/ 108)، الإقناع للشربيني (1/ 54)، شرح زبد بن رسلان (ص:55).
وفي مذهب الحنابلة انظر: كشاف القناع (1/ 67،69)، المغني (1/ 104)، الإنصاف (1/ 110،111)، المبدع (1/ 93)، المحرر (1/ 10).
(2)
نص على طعام البهيمة الحنفية في نور الإيضاح (ص: 16)، حاشية ابن عابدين (1/ 339).
ومن الحنابلة دليل الطالب (ص: 6)، ومنار السبيل (1/ 24)، المبدع (1/ 93)، الإنصاف (1/ 110)، كشاف القناع (1/ 69).
(1663 - 191) واستدل لذلك بما ما رواه أحمد من طريق محمد بن إسحاق، حدثني سليمان بن سحيم، عن أمية بنت أبي الصلت،
عن امرأة من بني غفار، قالت: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله. قالت: فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ، ونزلت عن حقيبة رحله وإذا بها دم مني، فكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم، قال: ما لك؟ لعلك نفست؟ قالت: قلت: نعم، قال: فأصلحي من نفسك، وخذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحاً، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك. الحديث
(1)
.
[إسناده ضعيف]
(2)
.
وجه الاستدلال: استعمال الملح في إزالة دم الحيض، والملح مطعوم.
قال الخطابي تعليقاً على هذا الحديث: فيه من الفقه أنه استعمل الملح في غسل الثياب وتنقيته من الدم، والملح مطعوم، فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان ثوباً من إبريسم يفسده الصابون، وبالخل إذا أصابه الحبر ونحوه، ويجوز على هذا التدلك بالنخالة، وغسل الأيدي بدقيق الباقلى والبطيخ ونحو ذلك من الأشياء التي لها قوة الجلاء.
وحدثونا عن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت الحمام بمصر، فرأيت الشافعي يتدلك بالنخالة "
(3)
.
(1)
المسند (6/ 380).
(2)
سيأتي تخريجه في مسألة: إذا أمكن إزالة اللون أو الرائحة بإضافة مطهر مع الماء
(3)
معالم السنن للخطابي مطبوع مع تهذيب السنن (1/ 197).
وأجاز الحنفية
(1)
وهو قول في مذهب الحنابلة
(2)
، إزالة النجاسة بالخل، والخل قد قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: نعم الإدام الخل
(3)
.
وقال النووي: اتفق أصحابنا على تحريم الاستنجاء بجميع المطعومات كالخبز واللحم والعظم وغيرها، وأما الثمار والفواكه فقسمها الماوردي تقسيماً حسناً، فقال: منها ما يؤكل رطباً لا يابساً، كاليقطين فلا يجوز الاستنجاء به رطباً، ويجوز يابساً إذا كان مزيلاً.
ومنها ما يؤكل رطباً ويابساً وهو أقسام:
أحدها: مأكول الظاهر والباطن، كالتين والتفاح والسفرجل وغيرها، فلا يجوز الاستنجاء بشيء منه رطباً ولا يابساً.
والثاني: ما يؤكل ظاهره دون باطنه، كالخوخ والمشمش وكل ذي نوى فلا يجوز بظاهره، ويجوز بنواه المنفصل.
والثالث: ما له قشر ومأكوله في جوفه كالرمان، فلا يجوز الاستنجاء بلبه، وأما قشره فله أحوال:
أحدها: لا يؤكل رطبا ولا يابساً كالرمان، فيجوز الاستنجاء بالقشر، وكذا لو استنجى برمانة فيها حبها جاز إذا كانت مزيلة.
والثاني: يؤكل قشره رطباً ويابساً كالبطيخ، فلا يجوز رطباً ولا يابساً.
(1)
قال الزيلعي في تبيين الحقائق (1/ 69): يطهر البدن بالماء وبمائع مزيل كالخل وماء الورد. اهـ وعندما منعوا إزالة النجاسة باللبن والدهن لم يعللوا ذلك بأنه مطعوم، وإنما عللوا ذلك بأن فيه دسومة فيبقى بنفسه بالثوب فلا يزيل غيره انظر درر الحكام (1/ 44).
(2)
الإنصاف (1/ 309).
(3)
رواه مسلم (2051).
والثالث: يؤكل رطباً لا يابساً كاللوز والباقلاء، فيجوز بقشره يابساً لا رطباً.
ثم قال: وقال البغوي: إن استنجى بما مأكوله في جوفه كالجوز واللوز اليابس كره وأجزأه، فإن انفصل القشر جاز الاستنجاء به بلا كراهة، والله أعلم
(1)
.
والصحيح أن إزالة النجاسة بالأطعمة إن كان مع وجود الماء، واستوى الماء وغيره في النظافة، فأقل أحواله أن يكون مكروهاً، والقول بالتحريم وجيه جدًّا؛ لأن في ذلك إفساداً للطعام وامتهاناً له، وقد يأكله حيوان أو دواب الأرض، وليس هذا الصنيع من شكر النعمة، فإن احتاج له في زيادة تنظيف أو قلع لون النجاسة أو نحوها، أو كان الماء غير متوفر، فإنه والله أعلم قد يباح في ذلك قدر الحاجة، قال ابن تيمية: لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة
(2)
.
(1)
المجموع (2/ 136).
(2)
مجموع الفتاوى (21/ 475).