الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لماذا كان طاهراً، وقد لاقى النجاسة، وهو قليل؟
قالوا: لأن الماء القليل إنما ينجس بالنجاسة إذا وردت عليه، أما إذا ورد الماء على النجاسة كما هو الحال هنا فلا ينجس.
ولماذا إذاً لا يكون طهوراً؟
قالوا: لأنه ماء استعمل فى إزالة النجاسة.
الوجه الثاني: قالوا لا يطهر، لأنه ماء استعمل في إزالة النجاسة، فيبقى نجساً
(1)
.
القول الثالث: مذهب الحنابلة
.
أن يكون الماء دون القلتين، وفي هذه الحال إما أن تكون نجاسته بالتغير، أو بالملاقاة ولو لم يتغير.
فيشترط لتطهير الماء المتنجس بالملاقاة شرط واحد، هو أن تضيف إليه قلتين من الماء الطهور، وبالتالي يصبح طهوراً فإن أضفت إليه دون القلتين لم يطهر.
التعليل: لأن الماء القليل لا يدفع النجاسة عن نفسه، فكيف يدفعها عن غيره؟ لقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث ابن عمر: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث
(2)
.
لوقال قائل: لنفرض أن الماء المتنجس بالملاقاة قلة واحدة، فأضفت إليها قلة أخرى، حتى أصبح الماء قلتين، فهل يطهر؟.
أكثر الأصحاب على أنه لا يطهر، وهو المشهور من المذهب، وحكى بعضهم وجهاً بالتطهير، وصوبه صاحب الإنصاف.
(1)
مغني المحتاج (1/ 22، 23)، روضة الطالبين (1/ 20، 21)، شرح زبد ابن رسلان (ص: 1/ 28، 29)، المهذب (1/ 7).
(2)
سبق الكلام عليه، وأنه حديث صحيح.
وإن كانت نجاسة الماء القليل أو الكثير بالتغير ففي هذه الحالة تضيف إليه قلتين من الماء الطهور، ثم تنظر هل زال التغير أم بقي؟ فإن زال فقد طهر، وإن لم يزل فإنك تضيف إليه حتى يذهب تغيره.
أما إذا أضفت إليه دون القلتين فإن الماء يكون نجساً، حتى ولو زال تغيره، وهذا هو المذهب.
وقيل: إنه يكون طهوراً حتى على قواعد المذهب، أو القائلين بالنجاسة ولو لم يتغير، قالوا: لأن الماء إنما ينجس بالنجاسة إذا كانت واردة عليه وهنا قد ورد الماء على النجاسة.
ولو قلنا بنجاسة الماء هنا لقلنا بنجاسة الماء إذا صب على ثوب نجس، إلا أن يكون قلتين، ولما كان الدلو مطهراً لبول الأعرابي، لأنه بالتأكيد ليس قلتين ولا حتى قلة، بل إن هذا أولى من تطهير الخمر القليل الذي استحال إلى خل فطهر.
وهذه الطريقة في تطهير الماء عند الحنابلة رحمهم الله إذا كان تنجيس الماء بالتغير، سواء كان قليلاً أم كثيراً، ما لم تكن النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة، فإن كانت النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة وكانت النجاسة لم تغير الماء، وكان لا يشق نزحه، فإن تطهيره بإضافة ما يشق نزحه، فيطهر بذلك.
وإن كانت نجاسة الماء بالتغير، فإنه يضيف إليه ما يشق نزحه، بشرط زوال التغير، فإن زالت فقد طهر، وإلا فيضيف إليه حتى يزول أثر النجاسة
(1)
.
(1)
الإنصاف (1/ 66)، الكافي (1/ 10)، كشاف القناع (1/ 38).
وهذا التفريق بين نجاسة بول الآدمي وعذرته المائعة، وبين غيرها من النجاسات من المسائل التي انفرد بها المذهب الحنبلي.
تلخص لنا مما سبق: أن التطهير بالإضافة عند العلماء يشترط له شروط:
الأول: أن يكون الماء المضاف طهوراً، وهذا شرط عند المالكية، والحنابلة، وليس بشرط عند الشافعية، إذ لا مانع أن تضيف عندهم ماء نجساً إذا كان بإضافته سوف يزول تغير الماء بالنجاسة.
الثاني: أن يكون المضاف كثيراً - قلتان فأكثر - وهذا شرط للحنابلة، وليس بشرط عند المالكية، والشافعية.
الثالث: أن يبلغ الماء قلتين بعد الإضافة، وليس بشرط عند المالكية، وأما الحنابلة فلا يكفي هذا عندهم؛ لأنهم يشترطون أن يكون المضاف نفسه قلتين.
والراجح أن الماء إذا زال تغيره بإضافة ماء عليه طهر، سواء كان المضاف قليلاً أم كثيراً، وسواء كان طهوراً أم نجساً، ما دام أنه قد زال تغيره بعد الإضافة، لأن الحكم عليه بالنجاسة إنما كان من أجل تغيره بالنجاسة، وقد زال، فيرجع إلى أصله، وهو أن الماء طهور.
وقد ذكرنا أن المجمع الفقهي الإسلامي رجح طهارة مياه المجاري إذا عولجت وذهب تغيرها بالنجاسة، وهذا أوان الوفاء بما وعدنا به من نقل نص القرار، يقول القرار:
صدر قرار من مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة، المنعقدة في مكة المكرمة يوم الأحد 13 رجب 1409 هـ منه: " وبعد مراجعة المختصين بالتنقية بالطرق الكيماوية وما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على مراحل: وهي الترسيب
والتهوية وقتل الجراثيم وتعقيمه بالكلور، بحيث لا يبقى للنجاسة أثر في طعمه ولونه وريحه، وهم مسلمون عدول موثوق بصدقهم وأمانتهم، قرر المجمع ما يأتي:
أن ماء المجاري إذا نقي بالطرق المذكورة أو ما يماثلها ولم يبق للنجاسة أثر في طعمه ولا في لونه ولا في ريحه، صار طهوراً، يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به، بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر أن الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه إذا لم يبق لها أثر فيه، والله أعلم. اهـ