الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: إذا ولغ الكلب فاغسلوه سبع مرات، أولاهن بالتراب
(1)
.
[إسناده صحيح، بل قال ابن حجر: إسناده من أصح الأسانيد].
قال الحافظ: " ثبت أنه أفتى ـ يعني أبا هريرة ـ بالغسل سبعاً. ورواية من روى عنه موافقة فتياه أرجح ممن روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد، ومن حيث النظر. أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين عنه، وهذا من أصح الأسانيد. وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء عنه. وهو دون الأولى في القوة بكثير
…
الخ
(2)
.
وأما
الدليل على عدم التتريب
.
أولاً: أن أكثر الرواة الذين رووا الحديث عن أبي هريرة لم يذكروا التراب، وهم خلق كثير، وانفرد بذكرها ابن سيرين رحمه الله تعالى عن أبي
(1)
الأوسط (1/ 305) ومن طريق حماد بن زيد أخرجه الدارقطني (1/ 64)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 248).
وأخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور (204) من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب به. وأخرجه أبو داود (72)، ومن طريقه البيهقي كما في المعرفة (2/ 60) عن أيوب عن ابن سيرين به موقوفاً.
(2)
الفتح (ح 172). وقال البيهقي في المعرفة (2/ 59): " لم يروه غير عبد الملك، وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات ". ثم قال أيضاً (2/ 61): " ولمخالفته ـ يعني عبد الملك ـ أهل الحفظ والثقة في بعض رواياته تركه شعبة بن الحجاج، ولم يحتج به محمد بن إسماعيل البخاري في الصحيح، وحديثه هذا مختلف عليه، فروي عنه من قول أبي هريرة. وروي عنه من فعله، فكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الثقات الأثبات من أوجه كثيرة لا يكون مثلها غلطاً، برواية واحد قد عرف بمخالفته الحفاظ في بعض الأحاديث " اهـ.
هريرة، وقد تجنب البخاري في صحيحه الرواية التي فيها ذكر التراب للاختلاف في ذكرها، فلعله لا يرى صحة هذه اللفظة.
قال البيهقي: لم يروه ثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة، يعني بذكر التراب
(1)
.
ثانياً: الاضطراب في ذكرها، فبعض الروايات تقول:" أولاهن " وبعضها " أخراهن" وبعضها: " إحداهن " وبعضها: السابعة، وبعضها الثامنة،
(1)
سنن البيهقي (1/ 241)، والمعرفة (2/ 58)، وهذا ذكر للجماعة الذين رووه بدون ذكر التراب من أصحاب أبي هريرة،
الأول: الأعرج، رواه البخاري (172)، ومسلم (279) من طريق مالك، عن أبي الزناد، عنه.
الثاني والثالث: أبو صالح السمان، وأبو رزين، أخرجه مسلم (279).
الرابع: همام بن منبه، كما في مسلم (279).
الخامس: ثابت بن عياض الأحنف، كما في المسند (2/ 271)، والنسائي (64)، وفي الكبرى (66).
السادس والسابع: عبيد بن حنين وعبد الرحمن بن أبي عمرة، كما في مسند أحمد (2/ 360، 398، 482).
الثامن: أبو سلمة، كما في المسند (2/ 271)، وسنن النسائي (64)، وفي السنن الكبرى (67).
التاسع: أبو السدي عبد الرحمن بن أبي كريمة، أخرجه أبو عبيد في الطهور (203).
قال أبو داود في سننه بعد أن ذكر رواية ابن سيرين: وأما أبو صالح وأبو رزين والأعرج وثابت الأحنف وهمام بن منبه وأبو السدي عبد الرحمن رووه عن أبي هريرة ولم يذكروا التراب. اهـ يشير بذلك إلى تفرد ابن سيرين بذكر التراب.
فهذا الاضطراب يوجب طرح هذه اللفظة، فيكون اجتمع في هذه اللفظة علتان: التفرد والاضطراب، وهما من علل الحديث.
قال القرطبي: هذه الزيادة مضطربة، ولهذا لم يأخذ بها مالك، ولا أحد من أصحابه
(1)
.
والجواب عن هذا:
أولاً: قد يقال: ابن سيرين إمام في الحفظ، وله عناية في الألفاظ، وكون مثله ينفرد بلفظة فهو دليل على كونها محفوظة، وقد رواها مسلم في صحيحه، وهذا لا يشفي؛ لأن الإمام قد يخطئ وليس بمعصوم.
ثانياً: وقد يقال أيضاً: إن ابن سيرين لم ينفرد بها، فقد تابعه فيها غيره،
فقد رواه الدارقطني
(2)
من طريق خالد بن يحيى الهلالي
(3)
، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة ويونس عن الحسن، عن أبي هريرة. فقال فيه: الأولى بالتراب
(4)
.
(1)
المفهم (1/ 540).
(2)
سنن الدارقطني (1/ 64).
(3)
وفي إتحاف المهرة (الذهلي).
(4)
وخالد هذا لم أقف على ترجمته، إلا أن يكون هو الذي ذكره ابن عدي في الكامل، قال: خالد بن يحيى أبو عبيد السدوسي البصري، حدث عن يونس بن عبيد وغيره ما لا يرويه غيره، وذكر من أفراده وغرائبه ثلاثة أحاديث، قال: ولخالد هذا غير ما ذكرت من الحديث إفرادات وغرائب عمن يحدث عنه، وليس بالكثير، وأرجو أنه لا بأس به؛ لأني لم أر في حديثه متناً منكراً. اهـ انظر تراجم رجال الدراقطني للوادعي رحمه الله (ص: 216).
وقال الذهبي: صويلح لا بأس به.
كما أخرجه النسائي من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، وفيه ذكر التراب
(1)
.
إلا أن هذا الطريق في النفس منه شيء،
أولاً: انفرد به معاذ بن هشام، وهو صدوق ربما وهم، ولم يتابع في هذا الإسناد، ولذلك قال البيهقي في سننه: هذا حديث غريب إن حفظه معاذ بن هشام، عن أبيه فهو حسن؛ لأن التراب في هذا الحديث لم يروه ثقة غير ابن سيرين، عن أبي هريرة، وإنما رواه غير هشام عن قتادة، عن ابن سيرين كما تقدم. اهـ
ثانياً: أن سعيد بن أبي عروبة وأبان بن يزيد وسعيد بن بشير والحكم بن عبد الملك رووا الحديث عن قتادة، فقالوا: عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وخالفوا معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة
(2)
، فرجعت رواية قتادة والله أعلم إلى رواية ابن سيرين
(3)
، خاصة أن الراوي عن ابن أبي عروبة عبدة بن
(1)
سنن النسائي (338).
(2)
وقد جعلت الحمل على معاذ بن هشام، ولم أجعل المخالفة من أبيه كما صنع ذلك البيهقي رحمه الله، فقد سبق أن نقلت عنه قوله: إن كان معاذ حفظه. قال ابن التركماني تعليقاً على عبارة البيهقي: لقائل أن يقول: كان ينبغي أن يقول: إن كان هشام حفظه؛ لأنه هو الذي انفرد به، عن قتادة، كما بينه البيهقي، ولعله إنما عدل إلى ابنه معاذ لجلالة هشام الدستوائي، وابنه معاذ وإن روى له الجماعة لكن ليس بحجة، كذا قال ابن معين. وقال أبو أحمد بن عدي: ربما يغلط في الشيء، وأرجو أنه صدوق". اهـ
(3)
رواه النسائي (339) من طريق عبدة بن سليمان،
ورواه الطحاوي (1/ 21) من طريق عبد الوهاب بن عطاء، كلاهما، عن سعيد بن أبي عروبة. =
سليمان، وهو من أصحاب سعيد القدماء، وكذلك أبان بن يزيد، وقد أشار البيهقي إلى هذا فيما نقلناه عنه قبل قليل.
كما أن هناك شاهداً آخر على إضافة التراب إلى الماء من حديث عبد الله ابن مغفل،
(1739 - 267) فقد روى مسلم، من طريق شعبة، عن أبي التياح، سمع مطرف بن عبد الله يحدث،
عن ابن المغفل قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب؟ ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال: إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب
(1)
.
وأما الجواب عن دعوى الاضطراب، في قوله: " إحداهن أو أولاهن أو أخراهن أو السابعة أو الثامنة أو بالشك الخ
فالجواب ما ذكره العراقي حيث يقول:
" الحديث المضطرب إنما تتساقط الروايات إذا تساوت وجوه الاضطراب، أما إذا ترجح بعض الوجوه فالحكم للرواية الراجحة، فلا يقدح فيها رواية من خالفها، كما هو معروف في علوم الحديث.
= رواه أبو داود (73) والدارقطني (1/ 64) من طريق أبان بن يزيد،
ورواه الدارقطني (1/ 64)، والبيهقي (1/ 241) من طريق سعيد بن بشير،
ورواه الدارقطني (1/ 64) من طريق الحكم بن عبد الملك، أربعتهم (سعيد بن أبي عروبة وأبان وسعيد بن بشير والحكم بن عبد الملك) عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة.
(1)
صحيح مسلم (280).
وإذا تقرر ذلك فلا شك أن رواية أولاهن أرجح من سائر الروايات؛ فإنه رواها عن محمد بن سيرين ثلاثة:
الأول: هشام بن حسان، قلت: وهو من أثبت أصحاب محمد.
الثاني: حبيب بن الشهيد.
الثالث: أيوب السختياني.
وأخرجها مسلم في صحيحه من رواية هشام، فتترجح بأمرين:
1 -
كثرة الرواة
2 -
تخريج أحد الشيخين لها، وهما من وجوه الترجيح عند التعارض.
وأما رواية أخراهن بالخاء المعجمة، والراء فلا توجد منفردة مسندة في شيء من كتب الحديث، إلا أن ابن عبد البر ذكر في التمهيد أنه رواها خلاس عن أبي هريرة
(1)
، كما سيأتي في الوجه الذي يليه إلا أنها رويت مضمومة مع أولاهن كما سيأتي.
وأما رواية السابعة بالتراب فهي وإن كانت بمعناها، فإنه تفرد بها عن محمد بن سيرين قتادة، وانفرد بها أبو داود، وقد اختلف فيها على قتادة فقال إبان عنه هكذا، وهي رواية أبي داود.
وقال سعيد بن بشير عن قتادة الأولى بالتراب فوافق الجماعة، رواه كذلك الدارقطني في سننه، والبيهقي من طريقه، وهذا يقتضي ترجيح رواية أولاهن لموافقته للجماعة.
(1)
الظاهر أنه سقط منه ذكر أبي رافع، فقد رواه النسائي كما سبق، عن خلاس، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.
وأما رواية إحداهن بالحاء المهملة، والدال فليست في شيء من الكتب الستة، وإنما رواها البزار كما تقدم.
وأما رواية أولاهن أو أخراهن فقد رواها الشافعي ، والبيهقي من طريقه بإسناد صحيح، وفيه بحث أذكره، وهو أن قوله: أولاهن أو أخراهن لا تخلو إما أن تكون مجموعة من كلام الشارع، أو هو شك من بعض رواة الحديث؟
فإن كانت مجموعة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو دال على التخيير بينهما، ويترجح حينئذ ما نص عليه الشافعي رحمه الله من التقييد بهما؛ وذلك لأن من جمع بينهما معه زيادة علم على من اقتصر على الأولى أو السابعة; لأن كلا منهم حفظ مرة فاقتصر عليها، وحفظ هذا الجمع بين الأولى، والأخرى فكان أولى.
وإن كان ذلك شكاً من بعض الرواة فالتعارض قائم، ويرجع إلى الترجيح، فترجح الأولى كما تقدم، ومما يدل على أن ذلك شك من بعض الرواة لا من كلام الشارع: قول الترمذي في روايته " أولاهن "، أو قال:" أخراهن بالتراب" فهذا يدل على أن بعض الرواة شك فيه، فيترجح حينئذ تعيين الأولى، ولها شاهد أيضا من رواية خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة كما سيأتي في الوجه الذي يليه. وإذا كان ذكر الأولى أرجح ففيه حجة لما ذكر أصحابنا من كون التتريب في المرة الأولى أولى، وذكروا له معنى آخر، وهو أنه إذا قدم التتريب في الأولى فتناثر من بعض الغسلات رشاش إلى غير الموضع المتلوث بالنجاسة الكلبية لم يجب تتريبه، بخلاف ما إذا أخر، فكان هذا أرفق، لكن حمله على الأولوية متقاصر عما
دلت عليه الرواية الصحيحة، فينبغي حمله على تعيين المرة الأولى والله أعلم"
(1)
. اهـ كلام العراقي رحمه الله تعالى.
وقال الصنعاني: رواية أولاهن أرجح لكثرة رواتها، وبإخراج الشيخين لها، وذلك من وجوه الترجيح عند التعارض "
(2)
.
وهذا وهم منه رحمه الله تعالى، فإن البخاري تجنب ذكر التراب في صحيحه، كما أشرت إليه سابقاً.
ومال النووي إلى صحة كل الألفاظ، فقد قال رحمه الله: قد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيه دليل على أن التقيد بالأولى وغيرها ليس للاشتراط، بل المراد: إحداهن، وهو القدر المتيقن من كل الروايات ".
وأما قوله في حديث عبد الله بن مغفل " وعفروه الثامنة بالتراب " وفي حديث أبي هريرة " سبعاً إحداهن بالتراب " فاختلف العلماء في الجواب عن هذا الاختلاف،
فقيل: إن رواية أبي هريرة أولى، فتقدم على رواية عبد الله بن مغفل، قال البيهقي في المعرفة:" وإذا صرنا إلى الترجيح بزيادة الحفظ، فقد قال الشافعي رحمه الله: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره "
(3)
.
وسبب آخر في ترجيح رواية أبي هريرة على رواية عبد الله بن مغفل، بكون الإجماع على خلاف رواية ابن مغفل، فإن الأقوال: ليست
(1)
طرح التثريب (2/ 130).
(2)
سبل السلام (1/ 39).
(3)
المعرفة (2/ 59)، وقال مثله في السنن الكبرى (1/ 242).
إلا الغسل ثلاثاً أو سبعاً، ولم يقل أحد بغسل الإناء ثمان مرات.
وأجاب الحافظ عن هذا بقوله:
قال ابن دقيق العيد: وفي هذا القول نظر؛ لأنه ثبت القول بذلك عن الحسن البصري، وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه
(1)
،
وقيل: إن رواية ابن مغفل أولى؛ لأنه زاد الغسلة الثامنة، والزيادة مقبولة، خصوصاً من مثله، ومن أخذ بحديث عبد الله بن مغفل فقد عمل بحديث أبي هريرة، وليس العكس
(2)
.
وهناك من يقول: لو أخذنا بالترجيح أصلاً لم نأخذ بالقول بالتراب لأن الرواة الذين رووا الحديث عن أبي هريرة بدون ذكر التراب أكثر عدداً ممن ذكرها، وبعضهم من أخص أصحاب أبي هريرة كالأعرج وأبي صالح السمان وغيرهما.
وهناك من جمع بين الروايتين، فقال: " لما كان التراب جنساً غير الماء، جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدوداً اثنتين.
وتعقبه ابن دقيق العيد بأن قوله: وعفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة مستقلة، لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية، ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازاً، وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى "
(3)
.
ومما يرجح كون التراب في الأولى أن الغسل بالتراب لو جعل في
(1)
فتح الباري (1/ 368).
(2)
الجوهر النقي (1/ 241).
(3)
فتح الباري (1/ 368).