الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني:
(1675 - 203) قالوا: ثبت الأمر بغسل نجاسة الكلب سبعاً، كما رواه البخاري من حديث أبي هريرة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا. ورواه مسلم
(1)
.
وغيرها من النجاسات تقاس على نجاسة الكلب.
وأجيب:
بأن نجاسة الكلب مغلظة، لا يمكن قياس النجاسة العادية على النجاسة المغلظة. أرأيت نجاسة دم الحيض مع أنه مجمع على نجاسته، كما قدمنا إلا أنه لم يرد فيه تكرار الغسل، ولم يرد ذكر التراب في تطهير شيء من النجاسات إلا نجاسة الكلب، والرواية التي فيها ذكر التراب رواها مسلم في صحيحه،
(1676 - 204) من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب
(2)
.
دليل الحنفية على التفريق بين النجاسة المرئية وبين النجاسة غير المرئية:
قالوا: بأن النجاسة إذا كانت مرئية كالدم ونحوه فطهارتها زوال عينها،
= للطبراني (1/ 123) ح 182 من طرق عن أيوب بن جابر به.
وانظر إتحاف المهرة (9937)، أطراف المسند (3/ 436)، تحفة الأشراف (7282).
(1)
البخاري (172)، ومسلم (279).
(2)
صحيح مسلم (279).
ولا عبرة فيه بالعدد؛ لأن النجاسة في العين، فإذا زالت العين زالت النجاسة، وإن بقيت بقيت.
وأما إن كانت النجاسة غير مرئية فإنه يجب غسلها ثلاث مرات.
والدليل على ذلك:
(1677 - 205) ما رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال ثنا أبو نعيم: قال ثنا عبد السلام بن حرب، عن عبد الملك، عن عطاء، عن أبي هريرة،
في الإناء يلغ فيه الكلب أو الهر قال: يغسل ثلاث مرار
(1)
.
[المحفوظ من حديث أبي هريرة الأمر بغسله سبعاً مرفوعاً وموقوفاً، ورواية عبد الملك عن عطاء متكلم فيها]
(2)
.
(1)
شرح معاني الآثار (1/ 23).
(2)
شيخ الطحاوي إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 158): كتبت عنه، وهو صدوق ". وانظر مغاني الأخيار في شرح أسامي رجال معاني الآثار (1/ 48).
وعبد السلام بن حرب. مختلف فيه.
سئل عنه ابن المبارك، فقال: قد عرفته. وكان إذا قال: قد عرفته فقد أهلكه. انظر ضعفاء العقيلي (3/ 69)، وقيل لابن المبارك في عبد السلام، فقال: ما تحملني رجلي إليه. تهذيب الكمال (18/ 66).
وقال ابن سعد: كان فيه ضعف في الحديث، وكان عسراً. الطبقات (6/ 386).
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، في حديثه لين.
وقال الترمذي: ثقة حافظ. تذكرة الحفاظ (1/ 271).
وقال أبو حاتم: ثقة صدوق. انظر الجرح والتعديل (6/ 47). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال يحيى بن معين: عبد السلام ثقة، والكوفيون يوثقونه.
وقال أيضاً: صدوق. انظر المرجع السابق.
وقال مرة: ليس به بأس، يكتب حديثه. الكامل في الضعفاء (5/ 331).
وقال النسائي في التمييز: ليس به بأس.
وقال الدارقطني: ثقة حجة. انظر تهذيب التهذيب (6/ 282).
واختلف في رفعه ووقفه. كما أنه ثبت عن أبي هريرة مرفوعاً، وموقوفاً الأمر بغسله سبعاً، وهو المحفوظ.
وعبد الملك بن أبي سليمان.
قيل لشعبة مالك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سليمان وكان حسن الحديث؟ قال: من حسنها فررت. انظر الجرح والتعديل (5/ 366)، والضعفاء للعقيلي (3/ 31).
وعن أبي بكر بن خلاد، قال: سمعت يحيى يقول عن عبد الملك بن سليمان: فيه شيء مقطع يوصله، أو موصل يقطعه. الضعفاء للعقيلي (3/ 31).
وقال يحيى ابن معين أيضاً: ضعيف. كما في رواية إسحاق بن منصور عنه. الجرح والتعديل (5/ 366).
وسئل يحيى مرة عبد الملك بن أبي سليمان أحب إليك أو ابن جريج؟ فقال: كلاهما ثقتان. كما في رواية عثمان بن سعيد عنه. المرجع السابق.
وقال أبو زرعة: لا بأس به. انظر المرجع السابق.
وقال الخطيب: قد أساء شعبة في اختياره، حيث حدث عن محمد بن عبيد الله العرزمي، وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان؛ لأن محمد بن عبيد الله لم تختلف الأئمة من أهل الأثر في ذهاب حديثه وسقوط روايته، وأما عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيض وحسن ذكرهم له مشهور. تاريخ بغداد (10/ 393).
وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً ثبتاً. انظر الطبقات (6/ 350).
وقال ابن عمار الموصلي: ثقة ثبت في الحديث.
وقال الترمذي: ثقة مأمون، لا نعلم أحداً تكلم فيه غير شعبة.
وقال الثوري: حفاظ الحديث أربعة، فذكره منهم. وسماه هو وابن المبارك: الميزان. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= انظر تهذيب التهذيب (6/ 352).
وفي التقريب: صدوق له أوهام. والحق أنه ثقة، فقد وثقه أحمد، ويحيى بن معين، والنسائي، وابن سعد، والترمذي، وابن عمار الموصلي، والثوري وابن المبارك والدارقطني. وأخذ عليه وهمه في حديث الشفعة، ثم ماذا؟ ومن ذا الذي لا يهم؟ ولذلك لم يمنع هذا الوهم من أن يوثقه الأئمة. قال يحيى بن معين عندما سئل عن حديث الشفعة، قال: هو حديث لم يحدث به إلا عبد الملك، وقد أنكره الناس عليه، ولكن عبد الملك ثقة صدوق لم يرد عليَّ مثله.
وقال أحمد: هذا حديث منكر، وعبد الملك ثقة. انظر تهذيب التهذيب (6/ 352).
والحديث مداره على عبد الملك بن أبي سليمان. وقد اختلف عليه فيه، فمنهم من يرويه عنه موقوفاً، ومنهم من يرويه من فعل أبي هريرة، ومنهم من يرويه مرفوعاً، مع كون الحديث فيه مخالفة لجميع من روى الحديث عن أبي هريرة، ورواياتهم في الصحيحين وغيرها مرفوعة وفيه الأمر بغسلها سبعاً. كما أن عبد الملك وإن كان الراجح فيه أنه ثقة إلا أن روايته عن عطاء فيها كلام، فقد انتقد العلماء روايته عن عطاء، ولو صح عن أبي هريرة موقوفاً عليه لم يكن فيه حجة، لأن الموقوف لا حجة فيه مع معارضتة للمرفوع. وقد سبق الكلام على هذا الحديث أيضاً في موضع آخر، انظر كيفية التطهير من نجاسة الكلب، والله أعلم.
وإليك تخريج الحديث.
رواه الطحاوي كما في اسناد الباب من طريق عبد السلام بن حرب، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن أبي هريرة من قوله.
ورواه إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان واختلف عليه فيه.
فرواه الدارقطني (1/ 66) من طريق سعدان بن نصر، عن إسحاق الأزرق، عن
عبد الملك به موقوفاً
ورواه ابن عدي في الكامل (2/ 366)، ومن طريقه الجوزقاني في الأباطيل (1/ 365)، وابن الجوزي في الواهيات (1/ 332) من طريق الكرابيسي، عن إسحاق الأزرق، عن
عبد الملك بن أبي سليمان به مرفوعاً.
قلت: أخطأ في الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي، فقد رواه عمر بن شبة، كما عند ابن عدي في الكامل (2/ 366) وسعدان بن نصر كلاهما روياه عن إسحاق الأزرق موقوفاً، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه عبد السلام بن حرب كما سبق، وابن فضيل، كلاهما روياه عن عبد الملك بن أبي سليمان به موقوفاً، فهؤلاء أربعة رووه موقوفاً، فلا شك أن الرواية المرفوعة كانت خطأ. والله أعلم.
قال ابن عدي: وهذا لا يرويه غير الكرابيسي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ما ذكر في متنه من الإهراق والغسل ثلاث مرات، والحسين الكرابيسي له كتب مصنفة ذكر فيها اختلاف الناس من المسائل، وكان حافظاً لها ولم أجد منكراً غير ما ذكرت من الحديث، والذي حمل أحمد بن حنبل عليه من أجل اللفظ في القرآن. فأما في الحديث فلم أر به بأساً.
وقال الخطيب: كان فهماً عالماً وله تصانيف كثيرة في الفقه وفي الأصول تدل على حسن فهمه وغزارة علمه، وقال أيضاً: تكلم فيه أحمد بسبب مسألة اللفظ في القرآن، وكان هو أيضاً يتكلم في أحمد، فتجنب الناس الأخذ عنه لهذا السبب. تاريخ بغداد (8/ 64).
وأما الرواية التي جاءت من فعل أبي هريرة وليست من قوله، فقد رواه الدارقطني (1/ 66) من طريق ابن فضيل، عن عبد الملك بن أبي سليمان به. بلفظ: كان إذا ولغ الكلب في الإناء أهرقه وغسله ثلاث مرات.
وقد ثبت عن أبي هريرة أنه قال: يغسل سبع مرات موقوفاً عليه، وهذا أصح. فقد روى ابن المنذر في الأوسط (1/ 305)، والدارقطني (1/ 64)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 248) من طريق حماد بن زيد،
وأخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور (204) من طريق إسماعيل بن إبراهيم، كلاهما عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: إذا ولغ الكلب فاغسلوه سبع مرات، أولاهن بالتراب.
وأخرجه أبو داود (72)، ومن طريقه البيهقي كما في المعرفة (2/ 60) عن أيوب عن ابن سيرين به موقوفاً.
قال الحافظ في الفتح في شرحه لحديث (172): " وثبت أنه أفتى ـ يعني أبا هريرة ـ بالغسل سبعاً. ورواية من روى عنه موافقة فتياه أرجح ممن روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر، أما النظر فظاهر، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن سيرين عنه. وهذا من أصح الأسانيد. وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه. وهو دون الأولى في القوة بكثير
…
الخ. =
قال الطحاوي: " فلما كان أبو هريرة قد رأى أن الثلاثة يطهر الإناء من ولوغ الكلب فيه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا ثبت بذلك نسخ السبع؛ لأنا نحسن الظن به، فلا نتوهم عليه أنه يترك ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا إلى مثله، وإلا سقطت عدالته، فلم يقبل قوله ولا روايته "
(1)
.
قلت: الصحابي لا يتعمد مخالفة ما روى، ولكن قد يخالف ما يروي وليس بمعصوم، فقد ينسى ما روى، وقد يظن من عام أنه خاص، أو من مطلق أنه مقيد، أو العكس.
وقال البيهقي منتقداً الطحاوي فيما قال: " استدل به ـ يعني الطحاوي على نسخ السبع على حسن الظن بأبي هريرة بأنه لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه، وهلا أخذ بالأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في السبع، وبما روينا من
= وقال البيهقي في المعرفة (2/ 59): " لم يروه غير عبد الملك، وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات ". ثم قال أيضاً (2/ 61): " ولمخالفته ـ يعني عبد الملك ـ أهل الحفظ والثقة في بعض رواياته تركه شعبة بن الحجاج، ولم يحتج به محمد بن إسماعيل البخاري في الصحيح. وحديثه هذا مختلف عليه، فروي عنه من قول أبي هريرة، وروي عنه من فعله. فكيف يجوز ترك رواية الحفاظ الثقات الأثبات من أوجه كثيرة لا يكون مثلها غلطاً برواية واحد قد عرف بمخالفته الحفاظ في بعض الأحاديث؟ " اهـ.
وقال الدارقطني في العلل (8/ 101)" ورواه جماعة من التابعين عن أبي هريرة، منهم عبيد ابن حنين، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، وعبد الرحمن الأعرج، وعقبة بن أبي الحسناء اليمامي، وأبو صالح السمان، عن أبي هريرة، فاتفقوا على أن يغسل من ولوغ الكلب سبع مرات، وخالفهم عطاء بن أبي رباح، فرواه عن أبي هريرة أنه يغسل ثلاثاً. ولم يرفعه. قاله عبد الملك بن أبي سليمان." وانظر إتحاف المهرة (19514).
(1)
شرح معاني الآثار (1/ 23).
فتيا أبي هريرة بالسبع، وبما روينا عن عبد الله بن المغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم "
(1)
.
الدليل الثاني للحنفية:
(1678 - 206) ما رواه مسلم، قال: حدثنا نصر بن علي الجهضمي وحامد بن عمر البكراوي، قالا: حدثنا بشر بن المفضل، عن خالد، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده
(2)
.
وجه الاستدلال:
قال الطحاوي: " كانوا يتغوطون أي: يقضون حاجتهم ويبولون ولا يستنجون بالماء، فأمرهم بذلك إذا قاموا من نومهم؛ لأنهم لا يدرون أين باتت أيديهم من أبدانهم، وقد يجوز أن يكون كانت في موضع قد مسحوه من البول أو الغائط فيعرقون، فتنجس بذلك أيديهم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها ثلاثاً، وكان ذلك طهارتها من الغائط أو البول إن كان أصابها، فلما كان ذلك يطهر من البول والغائط وهما أغلظ النجاسات كان أحرى أن يطهر بما دون ذلك من النجاسات "
(3)
.
قلت: لا يمكن أن يجعل تطهير الكلب النجس بمنزلة ما ورد في غسل اليدين الطاهرتين، والعلة في غسل اليدين ثلاثاً ليست النجاسة كما توهم الطحاوي؛ لأن العلة لو كانت النجاسة لكان حكم اليدين حكم نجاسة دم
(1)
معرفة السنن والآثار (2/ 61).
(2)
رواه مسلم (278). ورواه البخاري، ولم يقل: ثلاثاً.
(3)
شرح معاني الآثار للطحاوي (1/ 22).