الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوضعها عند رأسه، وقال: أتعلّم بها قبر أخي (1)، وأدفن إِليه من مات من أهلي" (2).
ولا يشرع تلقينُ الميت التلقينَ المعروفَ اليوم (3)؛ لأنّ الحديث الوارد فيه لا يصح.
الاستغفار للميت والدعاء له بالتثبيت:
وينبغي للحاضرين حين يفرغون من دفْن الميت، أن يقفوا على القبر ويدعوا له بالتثبيت، وأن يستغفروا له، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأمر الحاضرين بذلك؛ لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:"كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت؛ فإِنّه الآن يُسأل"(4).
الموعظة عند القبر
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في جنازة
(1) أرجح الأقوال -والله أعلم-: أنه أخوه من الرّضاعة، ذكره في "عون المعبود"(9/ 17) نقلاً عن "المرقاة"(4/ 192).
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2745)، وترجم له أبو داود بـ "باب في جمع الموتى في قبر، والقبر يُعلّم".
(3)
وسيأتي التفصيل بإِذن الله -تعالى-.
(4)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2758)، والحاكم، والبيهقي وغيرهم.
رجل من الأنصار، فانتهينا إِلى القبر؛ ولمّا يُلحد (1)، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم[مستقبل القبلة]، وجلسنا حوله، وكأنّ على روؤسنا الطّير، وفي يده عودٌ ينكت (2) في الأرض، [فجعل ينظر إِلى السماء، وينظر إِلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه، ثلاثاً]، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً، [ثمّ قال: اللهم إِنّي أعوذ بك من عذاب القبر] [ثلاثاً]، ثمّ قال: إِنّ العبد المؤمن إِذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إِليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأنّ وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحَنُوطٌ (3) من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مَدَّ البصر، ثمّ يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيّتها النفس الطيبة (وفي رواية: المطمئنة)! اخرجي إِلى مغفرة من الله ورضوان.
قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السِّقَاءِ، فيأخذها (وفي رواية: حتى إِذا خرجت روحه؛ صلّى عليه كلُّ ملكٍ بين السماء والأرض، وكلّ ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهلِ باب إلَاّ وهم يدْعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم)، فإِذا أخذها؛ لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، [فذلك قوله - تعالى-:{توفّته رُسُلنا وهم لا يفرِّطون} ، ويخرج منها كأطيب نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدت على وجه الأرض.
(1) أي: لم يوضْع في لحده بعْدُ.
(2)
أي: يضرب بطرفه الأرض، وذلك فِعل المفكّر المهموم "عون"(13/ 63).
(3)
بفتح المهملة: ما يُخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصّة. "النهاية".
قال: فيصعدون بها؛ فلا يمرّون -يعني- بها على ملإٍ من الملائكة إلَاّ قالوا: ما هذا الروح الطيّب؟! فيقولون: فلان بن فلان -بأحسن أسمائه التي كانوا يُسمُّونه بها في الدنيا- حتى ينتهوا بها إِلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيّعه من كلّ سماء مُقرّبوها إِلى السماء التي تليها، حتى يَنتهيَ به إِلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في علّيّين، {وما أدراك ما عِلِّيُّون كتاب مرقوم * يشهده المُقرّبون} ، فيكتب كتابه في عِلِّيِّين، ثمّ يقال]: أعيدوه إِلى الأرض؛ فإِنّي [وعدتهم أنّي] منها خلقتهم وفيها أُعيدهم ومنها أُخرجهم تارةً أخرى.
قال: فـ[يُردّ إِلى الأرض، و] تُعاد روحه في جسده، [قال: فإِنّه يسمع خفق نعال أصحابه إِذا ولّوا عنه] [مدبرين].
فيأتيه ملكان [شديدا الانتهار]، فـ[ينتهرانه و] يُجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؛ فيقول: ديني الإِسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولان له: ما عَمَلُك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدّقت، فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيُّك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن.
فذلك حين يقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا} ، فيقول: ربي الله، وديني الإِسلام، ونبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي منادٍ في السماء: أنْ صدق عبدي، فأفرِشوه من الجنة، وألبِسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إِلى الجنّة، قال: فيأتيه من رَوْحِها وطِيبها، ويفسح له في قبره مدّ بصره.
قال: ويأتيه [وفي رواية: يُمَثَّلُ له] رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيّب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسُرُّك، [أبشر برضوانٍ من الله، وجنّاتٍ فيها نعيم مقيم]، هذا يومك الذي كُنت تُوعد، فيقول له:[وأنت -فبشّرك الله بخير]- من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير! فيقول: أنا عملك الصالح؛ [فوالله ما عَلِمْتُك إِلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً].
ثمّ يُفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإِذا رأى ما في الجنة قال: ربِّ! عجّل قيام الساعة؛ كيما أرجع إِلى أهلي ومالي! [فيقال له: اسكن].
قال: وإِنّ العبد الكافر (وفي رواية: الفاجر) إِذا كان في انقطاع من الدنيا،
وإقبال من الآخرة؛ نزل إِليه من السماء ملائكة [غلاظ شداد]، سُود الوجوه،
معهم المُسُوح (1)[من النار]، فيجلسون منه مدّ البصر (2)، ثمّ يجيء ملك
الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة! أخرجي إِلى سَخَطٍ
من الله وغضب، قال: فتفرَّق في جسده، فينتزعها كما يُنتزع السُّفُّود (3)[الكثير الشُّعب] من الصّوف المبلول، [فتَقطَّعُ معها العروق والعصب]، [فيلعنه كلُّ ملك بين السماء والأرض، وكلُّ ملك في السماء، وتغلَق أبواب السماء، ليس من أهل باب إِلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من
(1) جمع مِسح: ثوب من الشعر غليظ.
(2)
أي: منتهى بصره.
(3)
السُّفود: هو عود من حديد يُنظّم فيه اللحم ليُشوى. "الوسيط".
قِبلهم]، فيأخذها، فإِذا أخذها لم يدَعوها في يده طرفة، عين حتى يجعلوها في تلك المُسوح، ويخرج منها كأنتن ريحٍ جيفةٍ وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرّون بها على ملأ من الملائكة إِلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟! فيقولون: فلان ابن فلان -بأقبح أسمائه التي كان يُسمّى بها في الدنيا، حتى يُنتَهى به إِلى السماء الدنيا، فيُستفتح له، فلا يُفتح له، ثمّ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{لا تُفَتَّحُ لهم أبواب السماء ولا يدْخلون الجنة حتى يَلِجَ الجَمَلُ في سمِّ الخِياط (1)} (2) فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سِجين (3)؛ في الأرض السُّفلى، [ثمّ يقال: أعيدوا عبدي إِلى الأرض، فإِنّي وعدتهم أنّي منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أُخرجهم تارةً أخرى)، فتُطرح روحه [من السماء] طرحاً [حتى تقع في جسده] ثمّ قرأ:{ومن يشرك بالله فكأنّما خرَّ من السماء فَتَخْطَفُهُ الطير أو تهوي به الريح في مكان سَحِيق} ، فتعاد روحه في جسده، [قال: فإِنّه ليسمع خفق نعال أصحابه إِذا
(1) قال الحسن البصري وغيره: "حتى يدخل البعير في خرق الإِبرة. وكذا روى علي بن أبى طلحة والعوفي عن ابن عباس. وقال مجاهد وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: إِنّه كان يقرأُها {يلج الجمل في سمّ الخياط} بضم الجيم وتشديد الميم -الجُمّل- يعني: الحبل الغليظ في خرق الإِبرة". عن "تفسير ابن كثير" بحذف.
وهذا تعليق بالمستحيل؛ أي: أنهم لا يدخلون الجنة أبداً، وانظر -إِن شئت- ما قاله البغوي في "تفسيره".
(2)
الأعراف: 40.
(3)
قال ابن كثير رحمه الله في "تفسيره": "والصحيح أنّ سجّيناً مأخوذ من السِّجن، وهو الضيق"، وقال في موطن آخر:"وهو يجمع الضيق والسفول".
ولّوا عنه].
ويأتيه ملكان [شديدا الانتهار، فينتهرانه و] يُجلسانه، فيقولان له: من ربُّك؟ [فيقول: هاهْ هاهْ (1)! لا أدري! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاهْ هاهْ! لا أدري]! فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيُقال: محمد! فيقول: هاه هاه! لا أدري! [سمعت الناس يقولون ذاك! قال: فيقال: لا دَرَيْتَ]، ولا تلوت]، فينادي مُنادٍ من السماء: أنْ كذب، فأفرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إِلى النار، فيأتيه من حرّها وسَمُومها (2)، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه (وفي رواية: ويُمثل له) رجلٌ قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومُك الذي كنت توعد، فيقول:[وأنت فبشّرك الله بالشرِّ] من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشّر! فيقول. أنا عملك الخبيث؛ [فوالله ما علمت إِلا كنت بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً إِلى معصية الله]، [فجزاك الله شرّاً! ثمّ يُقيّض له أعمى أصمُّ أبكم في يده مِرْزبَة (3) لو ضُرِبَ بها جبل كان تراباً، فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً، ثمّ يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كلّ شيء إِلا الثقلين، ثمّ يفتح له
(1) جاء في "عون المعبود"(13/ 65): "هاهْ هاهْ -بسكون الهاء فيهما بعد الألف-: كلمة يقولها المتحيّر الذي لا يقدر -من حَيرته للخوف أو لعدم الفصاحة- أن يستعمل لسانه في فيه".
(2)
الريح الحارّة.
(3)
المِرزَبة -بالتخفيف-: المطرقة الكبيرة التي تكون للحّداد. "النهاية".