الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأمّا حديث ابن أبي قتادة رضي الله عنه الآتي؛ فلا يثبت؛ ولفْظه: "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة؛ يسأل عن البراء بن معرور؟ فقالوا: تُوفّي، وأوصى بثلثه لك يا رسول الله! وأوصى أن يوجه إِلى القبلة لما احتضر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصاب الفطرة، وقد رددت ثلثه على ولده، ثمّ ذهب فصلّى عليه، فقال: "اللهم اغفر له، وارحمه، وأدخله جنتك، وقد فعلت" (1).
ولا بأس في أن يَحْضُر المسلمُ وفاةَ الكافر ليعرض الإِسلام عليه؛ رجاءَ أن يسلم؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: "كان غلام يهودي يخدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النّبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم.
فنظر إِلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم فخرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار" (2).
ما على الحاضرين بعد موته
فإِذا قضى وأسلم الروح؛ فعليهم عدّة أشياء:
1 -
أن يغمضوا عينيه، ويَدْعوا له أيضاً.
عن أمّ سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شَقَّ بصرُهُ (3)،
(1) وفيه علّتان: الأولى: فيه نعيم بن حمّاد، ضعيف.
والثانية: الإِرسال، فإِنّ عبد الله بن أبي قتادة ليس صحابيّاً، وانظر التفصيل في "الإِرواء"(689).
(2)
أخرجه البخاري: 1356، وتقدّم مختصراً.
(3)
أي: شخَص، وهو الذي حضره الموت، وصار ينظر إِلى الشيء لا يرتدّ إِليه طرفه. "النووي".
فأغمضه ثمّ قال: "إِنّ الروح إِذا قبض تبعه البصر، فضجّ ناس من أهله فقال: لا تَدْعوا على أنفسكم إلَاّ بخير؛ فإِنّ الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون، ثمّ قال: اللهمّ اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخْلُفْهُ في عقبه في الغابرين (1) واغفر لنا وله يا رب العالمين! وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه"(2).
2 -
أن يُغطّوه بثوب يستر جميع بدنه لحديث عائشة رضي الله عنها: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تُوفّي سُجِّيَ (3)؛ بِبُرْد حِبَرَةٍ (4) "(5).
جاء في "الفتح"(3/ 114) في شرح (باب الدخول على الميت بعد الموت إِذا أُدرج في أكفانه): "قال ابن رُشَيْد: موقع هذه الترجمة من الفقه: أن الموت لمّا كان سبب تغيير محاسن الحي التي عهد عليها -ولذلك أُمر بتغميضه وتغطيته-؛ كان ذلك مظنةً للمنع من كشْفه، حتى قال النَّخَعِيُّ: ينبغي أن لا يطلع عليه إِلا الغاسل له ومن يليه. فترجم البخاري على جواز ذلك، ثمّ أورد فيه ثلاثة أحاديث
…
".
وهذا في غير من مات مُحرماً، فأمّا المُحرم؛ فإِنّه لا يُغطى رأسه ولا وجهه؛
(1) أي: الباقين كقوله -تعالى-: {إِلا امرأته كانت من الغابرين} [الأعراف: 83]. "النووي".
(2)
أخرجه مسلم: 920.
(3)
سُجيّ؛ أي: غُطيّ وزناً ومعنى. "الفتح".
(4)
الحِبرة: بكسر المهملة وفتح الموحدة؛ جاء في "النهاية": "الحبير من البرود: ما كان مَوشيّاً مَخطّطاً، وهو بُرْد يمانٍ".
(5)
أخرجه البخاري: 5814، ومسلم:942.
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "بينما رجل واقف بعرفة؛ إِذ وقع عن راحلته؛ فوقَصَتْه (1) -أو قال: فأوقَصَتهُ-، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدْر، وكفّنوه في ثوبين، ولا تُحنّطوه (2) (وفي رواية: ولا تُطيّبوه)، ولا تخمّروا (3) رأسه [ولا وجهه]؛ فإِنّه يُبعث يوم القيامة مُلَبِّياً"(4).
3 -
أن يُعجّلوا بتجهيزه وإخراجه إِذا بان موته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أسرعوا بالجنازة؛ فإِن تَكُ صالحة؛ فخير تقدمونها إِليه، وإن يَكُ سوى ذلك؛ فشرٌّ تضعونه عن رقابكم"(5).
4 -
أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه، ولا ينقلوه إِلى غيره؛ لأنّه يُنافي الإِسراع المأمور به في حديث أبي هريرة المتقدّم. ونحوه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:"لما كان يوم أحد؛ جاءت عمتي بأبي لتدفنه في مقابرنا، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: رُدُّوا القتلى إِلى مضاجعها"(6).
(1) الوقص: كسْر العُنق.
(2)
ولا تُحنّطوه: هو بالحاء المهملة؛ أي: تُمِسُّوه حَنوطاً والحَنوط -بفتح الحاء- ويقال له: الحِناط -بكسر الحاء- وهو أخلاط من طيب تجمع للميت خاصة، لا تستعمل في غيره. "النووي".
(3)
أي: تغطّوا.
(4)
أخرجه البخاري: 1265، ومسلم: 1206، وانظر لأجل الزيادات "أحكام الجنائز"(ص 22).
(5)
أخرجه البخاري: 1315، ومسلم:944.
(6)
أخرجه الترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1401)، وأبو داود "صحيح سنن =
ولذلك قالت عائشة -لما مات أخٌ لها بوادي الحبشة فحُمِل من مكانه-: "ما أجدُ في نفسي -أو يُحْزنني في نفسي- إِلا أنّي وَدِدْتُ أنه كان دُفن في مكانه"(1).
قال شيخنا رحمه الله (ص 25): "قال النووي في "الأذكار": "وإذا أوصى بأن يُنقل إِلى بلدٍ آخر؛ لا تُنَفَّذ وصيّته؛ فإِنّ النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون، وصرّح به المحقّقون"
…
" انتهى.
قال ابن المنذر رحمه الله في "الأوسط"(5/ 464): "يستحب أن يدفن الميت في البلد الذي توفي فيه، على هذا كان الأمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه عوامُّ أهل العلم، وكذلك تفعل العامّة في عامة البلدان، ويكره حمل الميت من بلد إِلى بلد يخاف عليه التغيّر فيما بينهما".
5 -
أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله، ولو أتى عليه كُلِّه، فإِن لم يكُن له مال؛ فعلى الدولة أن تؤدي عنه إِن كان جَهِدَ في قضائه، فإِن لم تفعل، وتطوّع بذلك بعضهم؛ جاز، وفي ذلك أحاديث:
الأوّل: عن سعد بن الأطول؛ "أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، فأردت أن أنفقها على عياله. فقال صلى الله عليه وسلم: إِن أخاك مُحْتَبِس بدينه، فاقْضِ عنه، فقال: يا رسول الله! قد أديت عنه إِلا دينارين، ادَّعَتْهُما امرأة وليس لها
= أبي داود" (2710)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه" (1230)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (1893).
(1)
أخرجه البيهقي بسند صحيح.
بيّنَة! قال: فأعْطِها فإِنها مُحِقّة" (1).
الثاني: عن سَمُرَة بن جُنْدُبٍ: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى على جنازة (وفي رواية: صلّى الصُّبح) فلمّا انصرف قال: أهاهنا من آل فلان أحدٌ؟ [فسكت القوم، وكان إِذا ابتدأهم بشيء سكتوا]، فقال ذلك مراراً [ثلاثاً؛ لا يجيبه أحد]، [فقال رجل: هُو ذا]، قال: فقام رجل يجرُّ إِزاره من مُؤَخَّر الناس، [فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما منعك في المرّتين الأولين أن تكون أجبتني؟] أما إِنّي لم أُنوّه باسمك إِلا لخير، إِنّ فلاناً -لرجل منهم- مأسور بدينه [عن الجنة، فإِنْ شئتم فافْدوه، وإن شئتم فأسلموه إِلى عذاب الله]!
فلو رأيت أهله ومن يتحرّون أمره! قاموا فقضوا عنه، [حتى ما أحدٌ يطلبه بشيء] " (2).
الثالث: عن جابر بن عبد الله قال: "مات رجل، فغسّلناه وكفّناه وحنَّطناه، ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيثُ توضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثمّ آذنّا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، فجاء معنا [فتخطى] خُطىً، ثمّ قال: لعل على صاحبكم ديناً؟ قالوا: نعم، ديناران، فتخلف، [قال: صلّوا على صاحبكم]، فقال له رجل منا -يُقال له: أبو قتادة-: يا رسول الله! هما علّي.
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هما عليك وفي مالك، والميّت منهما بريء؟ فقال: نعم، فصلّى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا لقي أبا قتادة يقول (وفي
(1) أخرجه أحمد، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1973) وغيرهما.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2858)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(4368)، وغيرهما؛ وانظر "أحكام الجنائز"(ص 26).
رواية: ثمّ لقيه من الغد فقال:) ما صنعتِ الديناران؟ [قال: يا رسول الله! إنّما مات أمس] حتى كان آخر ذلك (وفي الرواية الأخرى: ثم لقيه من الغد فقال: ما فعل الديناران؟) قال: قد قضيتهما يا رسول الله! قال: الآن حين بردت عليه جلده (1) " (2).
فائدة: قال شيخنا رحمه الله: أفادت هذه الأحاديث أنّ الميت ينتفع بقضاء الدّين عنه، ولو كان من غير ولده، وأنّ القضاء يرفع العذاب عنه، فهي من جملة المُخصِّصات لعموم قوله تبارك وتعالى:{وأنْ ليس للإِنسان إِلا ما سعى} (3)، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إِذا مات الإِنسان انقطع عمله إلَاّ من ثلاث"(4).
الرابع: عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا خطب؛ احمرَّت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه؛ حتى كأنّه منذر جيش، يقول: صبّحكم ومسّاكم ويقول: "بُعثتُ أنا والساعةُ وكهاتين" ويقرن بين إِصبعيه السبابة (5) والوسطى، ويقول: أمّا بعد: فإِنّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ بدعة ضلالة، ثمّ يقول أنا أولى بكلِّ
(1) قال شيخنا رحمه الله: "أي: بسبب رفع العذاب عنه بعد وفاء دينه".
(2)
أخرجه الحاكم -والسياق له- والبيهقي، والطيالسي، وأحمد بإِسناد حسن؛ كما قال الهيثمي.
(3)
النجم: 39.
(4)
أخرجه مسلم: 1631.
(5)
قال النووي: "سمّيت بذلك؛ لأنهم كانوا يشيرون بها عند السبّ".