الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل العمرة في رمضان:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عمرة في رمضان تقضي (1) حجة معي"(2).
عمرة التنعيم:
عن عبد الرحمن بن أبي بكر: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له: "أردف أُختك عائشة فَأعْمرها من التنعيم، فإِذا هبطت الأكَمة فمُرها فلتُحرم؛ فإِنّها عُمرة متقبّلة"(3).
قال شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(6/ 260) تحت الحديث (2626) -بحذف-: "وقد أخرجه البخاري (3/ 478)، ومسلم (4/ 35) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن أبي بكر مختصراً.
وكذلك أخرجاه من حديث عائشة نفسها.
وفي رواية لهما عنها قالت: فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك". وفي أخرى بنحوه قال: "مكان عمرتي التي أدركني الحج ولم أحْلِلْ منها".
وفي أخرى: "مكان عمرتي التي أمسكت عنها".
وفي أخرى: "جزاءً بعمرة الناس التي اعتمروا". رواها مسلم.
وفي ذلك إِشارة إِلى سبب أمره صلى الله عليه وسلم لها بهذه العمرة بعد الحج، وبيان ذلك:
(1) أي: تقوم مقامها في الثواب. "شرح النووي".
(2)
أخرجه البخاري: 1863، ومسلم:1256.
(3)
أخرجه الحاكم وأحمد وأبو داود وغيرهما، وانظر "الصحيحة"(2626).
أنها كانت أهلّت بالعمرة في حجتها مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إِما ابتداءً أو فسخاً للحج إِلى العمرة (على الخلاف المعروف)(1)، فلما قدمتْ (سَرِفَ) -مكان قريب من مكة- حاضت، فلم تتمكن من إِتمام عمرتها والتحلل منها بالطواف حول البيت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لها -وقد قالت له: إِني كنت أهللت بعمرة فكيف أصنع بحجتي؟ - قال: "انقضي رأسك، وامتشطي، وأمسكي عن العمرة، وأهلّي بالحجّ، واصنعي ما يصنع الحاج؛ غير أن لا تطوفي ولا تصلّي حتى تطهري (وفي رواية: فكوني في حجّك، فعسى الله أن يرزقكيها) ".
ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إِذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، وقال لها صلى الله عليه وسلم. -كما في حديث جابر-:"قد حللتِ من حجَّك وعمرتك جميعاً"، فقالت: يا رسول الله! إِنّي أجد في نفسي؛ أنّي لم أطف بالبيت حتى حججت، وذلك يوم النفر، فأبت، وقالت: أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر؟
وفي رواية عنها: يصدر الناس بنسكين وأصدُر بنسك واحد؟! (وفي أخرى: يرجع الناس (وعند أحمد (6/ 219): صواحبي، وفي أخرى له (6/ 165 و266): نساؤك بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة؟!).
وكان صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً إِذا هويت الشيء تابعَها عليه، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فأهلت بعمرة من التنعيم.
فقد تبيّن مما ذكرنا من هذه الروايات -وكلها صحيحة- أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها من عمرة التمتع بسبب حيضها، ولذلك قال العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم المتقدّم:"هذه مكان عمرتك": أي:
(1) ورجّح شيخنا رحمه الله الأول، وانظر المصدر المذكور -إِن شئت-.
العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة، ثمّ أنشأوا الحج مفرداً. إِذا عرفْتَ هذا؛ ظهر لك جليّاً أنّ هذه العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إِتمام عمرة الحج، فلا تشرع لغيرها من النساء الطاهرات، فضلاً عن الرجال.
ومن هنا يظهر السرّ في إِعراض السلف عنها، وتصريح بعضهم بكراهتها، بل إِنّ عائشة نفسها لم يصحّ عنها العمل بها، فقد كانت إِذا حجّت تمكث إِلى أن يهلّ المحرم ثمّ تخرج إِلى الجُحْفَةِ فتحرم منها بعمرة، كما في "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (26/ 92).
وقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 344) بمعناه عن سعيد بن المسيب: أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة.
وإسناده صحيح.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "الاختيارات العلمية"(ص 119): "يكره الخروج من مكة لعمرة تطوّع، وذلك بدعة لم يفعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه على عهده، لا في رمضان ولا في غيره، ولم يأمر عائشة بها، بل أذن لها بعد المراجعة؛ تطييباً لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقاً، ويخرج عند من لم يكرهه على سبيل الجواز".
وهذا خلاصة ما جاء في بعض أجوبته المذكورة في "مجموع الفتاوى"(26/ 252 - 263)، ثمّ قال (26/ 264):"ولهذا كان السلف والأئمة ينهون عن ذلك، فروى وسعيد بن منصور في "سننه" عن طاوس -أجلّ
أصحاب ابن عباس- قال: "الذين يعتمرون من التنعيم؛ ما أدري أيؤجزون عليها أم يعذبون؟!
قيل: فلِمَ يعذبون؟! قال: لأنّه يَدَع الطواف بالبيت، ويخرج إِلى أربع أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال [يكون] قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء". وأقرّه الإِمام أحمد. وقال عطاء بن السائب:"اعتمرنا بعد بالحج، فعاب ذلك علينا سعيد ابن جبير". وقد أجازها آخرون، لكن لم يفعلوها
…
".
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد"(1/ 243): "ولم يكن صلى الله عليه وسلم في عُمره عمره واحدة خارجاً من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عُمَره كلها داخلاً إِلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك المدة أصلاً، فالعمرة التي فعَلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها فهي عمرة الداخل إِلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إِلى الحل ليعتمر.
ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إِلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه؛ لأنّها كانت قد أهلّت بالعمرة فحاضت، فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أنّ طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة وقع عن حجّتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن ترجع صواحباتها بحجّ وعمرة مستقلين -فإِنهن كنّ متمتعات ولم يحضْنَ ولم يَقْرِنّ- وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يُعْمِرَها من التنعيم تطييباً لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ولا أحد ممن كان معه".