الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطيالسي"- عقب الحديث: "سمعت أبا داود -يعني: الطيالسي- يقول: بذا نسخ تلك الأحاديث التي جاءت على الّذي عليه الدين" انتهى.
هلّ يُصلّى على الميت الذي كان لا يصلّي:
جاء في "مجموع الفتاوى"(24/ 285): "وسُئل رحمه الله عن الصلاة على الميت الذي كان لا يصلّي؛ هل لأحد فيها أجر أم لا؟ وهل عليه إِثم إِذا تركها، مع علمه أنه كان لا يصلّي؟ وكذلك الذي يشرب الخمر وما كان يصلّي؛ هل يجوز لمن كان يعلم حاله أن يصلّي عليه أم لا؟
فأجاب: أما من كان مظهراً للإِسلام، فإِنّه تجري عليه أحكام الإِسلام الظاهرة: من المناكحة، والموارثة، وتغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ونحو ذلك؛ لكن من عُلِمَ منه النفاق والزندقة؛ فإِنّه لا يجوز لمن عَلِمَ ذلك منه الصلاة عليه، وإن كان مظهراً للإِسلام، فإِن الله نهى نبيه عن الصلاة على المنافقين، فقال:{ولا تُصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تَقُم على قبره إِنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} (1)، وقال:{سواءٌ عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم} (2).
وأما من كان مظهراً للفسق -مع ما فيه من الإِيمان- كأهل الكبائر؛ فهؤلاء لا بد أن يصلّي عليهم بعض المسلمين، ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجراً لأمثاله عن مثل ما فعله، كما امتنع النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على قاتل نفسه،
(1) التوبة: 84.
(2)
المنافقون: 6.
وعلى الغال، وعلى المدين الذي لا وفاء له، وكما كان كثير من السلف يمتنعون من الصلاة على أهل البدع؛ كان عمله بهذه السنة حسناً، ومن صلّى على أحدهم يرجو له رحمة الله، ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة؛ كان ذلك حسناً، ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن -ليجمع بين المصلحتين-؛ كان تحصيل المصلحتين أولى من تفويت أحداهما.
وكل من لم يُعْلَمْ منه النفاق وهو مسلم؛ يجوز الاستغفار له، والصلاة عليه، بل يشرع ذلك، ويؤمر به، كما قال -تعالى-:{واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} (1). وكل من أظهر الكبائر؛ فإِنّه تسوغ عقوبته بالهجر وغيره، حتى ممن في هجره مصلحة له راجحة فتحصل المصالح الشرعية في ذلك بحسب الإِمكان". والله أعلم.
وفيه (ص 287): وسئل عن رجل يصلّي وقتاً، ويترك الصلاة كثيراً، أو لا يصلّي؛ هل يصلّى عليه؟
فأجاب: "مثل هذا ما زال المسلمون يصلون عليه، بل المنافقون الذين يكتمون النفاق يصلّي المسلمون عليهم، ويغسَّلون، وتجري عليهم أحكام الإِسلام، كما كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن كان من علم نفاق شخص لم يجز له أن يصلّي عليه، كما نُهِيَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على من علم نفاقه.
وأمّا من شك في حاله؛ فتجوز الصلاة عليه إِذا كان ظاهر الإِسلام، كما صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على من لم يُنْهَ عنه، وكان فيهم من لم يعلم نفاقه، كما قال -
(1) محمد: 19.
تعالى-: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل الدينة مَرَدُوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} (1).
ومثل هولاء لا يجوز النهي عنه؛ ولكن صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على المنافق لا تنفعه، كما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم -لمَا ألبس ابن أُبيٍّ قميصه (2) -:"وما يُغني عنه قميصي من الله؟! "؛ وقال -تعالى-: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم} (3).
وتارك الصلاة أحياناً، وأمثاله من المتظاهرين بالفسق؛ فأهل العلم والدين إِذا كان في هجر هذا، وترك الصلاة عليه منفعة للمسلمين -بحيث يكون ذلك باعثاً لهم على المحافظة على الصلاة عليه-[هجروه ولم يصلوا عليه]، كما ترك النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصلاة على قاتل نفسه، والغال، والمدين الذي لا وفاء له، وهذا شرٌّ منهم".
السادس: مَن دُفن قبل أن يُصلّى عليه، أو صَلّى عليه بعضهم دون بعض، فيصلّون عليه في قبره، على أن يكون الإِمام في الصورة الثانية ممّن لم يكن صلّى.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنّ امرأةً (4) سوداء كانت تقُمّ المسجد (أو
(1) التوبة: 101.
(2)
انظر "صحيح البخاري": 4670، و"صحيح مسلم": 2400 دون "وما يُغني عنه قميصي من الله".
(3)
المنافقون: 6.
(4)
انظر "أحكام الجنائز"(ص 113) في ترجيح شيخنا رحمه الله أنها امرأة.
شابّاً)، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها (أو عنه)؟ فقالوا: مات، قال: أفلا كنتم آذنتموني؟! قال: فكأنّهم صغّروا أمرها (أو أمره)، فقال: دُلُّوني على قبره. فدلوه، فصلّى عليها ثمّ قال: إِنّ هذه القبور مملوءةٌ ظُلمةً على أهلها، وإنّ الله عز وجل ينوّرها لهم بصلاتي عليهم" (1).
وعن يزيد بن ثابت -وكان أكبر من زيد- قال: خرجنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما ورد البقيع؛ فإِذا هو بقبر جديد، فسأل عنه؟ فقالوا: فلانة. قال: فعرفها. وقال: "ألا آذنتموني بها؟! قالوا: كنت قائلاً صائماً، فكرهنا أن نؤذيك! قال: فلا تفعلوا، لا أعرفنّ ما مات منكم ميت -ما كنت بين أظهركم- إِلا آذنتموني به؛ فإِنّ صلاتي عليه له رحمة ثمّ أتى القبر فصففنا خلفه، فكبّر عليه أربعاً"(2).
قال الإِمام أحمد رحمه الله ومن يشك في الصلاة على القبر؟! يروى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه؛ كلّها حسان (3).
وجاء في "المحلّى"(5/ 210 مسألة: 581): "ورُوِّينا عن معمر عن أيوب السَّخْتيَاني عن ابن أبي مليكة: مات عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكَة؛ فحملناه، فجئنا به مكة. فدفناه، فقدمت علينا عائشة أمّ المؤمنين فقالت: أين قبر أخي؟ فدللناها عديه، فوضعت في هودجها عند قبره فصلت
(1) أخرجه البخاري: 458، ومسلم: 956 - واللفظ له-.
(2)
أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(1911)، وابن ماجه واللفظ له "صحيح سنن ابن ماجه"(1239).
(3)
انظر -للمزيد من الفوائد- "الإِرواء"(3/ 183).
عليه!
.. وعن ابن عمر: أنّه قدم وقد مات أخوه عاصم، فقال: أين قبر أخي؟ فدُل عليه؛ فصلّى عليه ودعا له.
وعن علي بن أبي طالب: أنّه أمر قَرَظَةَ بن كعب الأنصاري أن يصلّي على قبر سهل بن حُنَيْفِ بقوم جاءوا بعد ما دفن وصُلِّي عليه.
وعن علي بن أبي طالب أيضاً: أنّه صلّى على جنازة بعد ما صُلِّي عليها.
وأن أنس بن مالك صلّى على جنازة بعدما صُلّي عليها.
وعن ابن مسعود نحو ذلك.
وعن سعيد بن المسيَّب إِباحة ذلك.
وعن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد: أنّه صلّى على جنازة بعدما صلِّي عليها.
وعن قتادة: أنّه كان إِذا فاتته الصلاة على الجنازة صلّى عليها.
فهذه طوائف من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف.
وأمّا أمر تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام؛ فخطأ لا يشكل؛ لأنّه تحديد بلا دليل؛ ولا فرق بين من حد بهذا، أو من حد بغير ذلك".
السابع: من مات في بلد ليس فيها من يصلّي عليه صلاةَ الحاضر، فهذا يُصلّي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب؛ لصلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم على النّجاشيّ.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم
الذي مات فيه، خرج الى المصلّى؛ فصفّ بهم وكبّر أربعاً" (1).
قال ابن حزم رحمه الله في "المحلّى"(5/ 249 - مسألة: 610): "ويصلى على الميت الغائب بإِمام وجماعة؟ قد صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي رضي الله عنه ومات بأرض الحبشة؛ وصلّى معه أصحابه عليه صفوفاً، وهذا إِجماع منهم لا يجوز تعدّيه".
قال شيخنا رحمه الله في "أحكام الجنائز"(ص 118): "واعلم أنّ هذا الذي ذكرناه من الصلاة على الغائب: هو الذي لا يتحمّل الحديث غيره، ولهذا سبقَنا إِلى اختياره ثُلّةٌ من مُحقّقي المذاهب، وإليك خلاصةً من كلام ابن القيم رحمه الله في هذا الصدد؟ قال في "زاد المعاد" (1/ 205 و206): "ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم وسُنته الصلاة على كلّ ميت غائب؛ فقد مات خلْق كثير من المسلمين وهم غُيَّبٌ، فلم يصلّ عليهم، وصحّ عنه أنّه صلّى على النجاشي صلاته على الميت، فاخْتُلِفَ في ذلك على ثلاثة طرق:
1 -
أنّ هذا تشريع وسنّة للأمّة الصلاة على كلّ غائب. وهذا قول الشافعي وأحمد.
2 -
وقال أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به، وليس ذلك لغيره.
3 -
وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية: "الصواب: أنّ الغائب إِن مات ببلدٍ لم يُصَلَّ عليه فيه، صُلّي عليه صلاةَ الغائب، كما صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على النجاشي؛ لأنه مات بين الكُفار ولم يصلَّ عليه. وإنْ صُلّي عليه -حيث مات- لم يصلَّ
(1) أخرجه البخاري: 1245، ومسلم: 951، وتقدّم.