الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يجوزأن تُتَّبَعَ الجنائز بما يخالف الشريعة:
ولا يجوز أن تُتّبع الجنائز بما يخالف الشريعة، وقد جاء النصُّ فيها على أمرين: رفع الصوت بالبكاء، واتبّاعها بالبَخُور.
عن ابن عمر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتّبع جنازة معها رانّة (1) "(2). وعن أبي بُردة قال: "أوصى أبو موسى رضي الله عنه حين حضَره الموت قال: إِذا انطلقتم بجنازتي؛ فأسرعوا بي المشي، ولا تَتَّبعوني بمِجمَر (3)
…
" (4).
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال وهو في سياق الموت: "فإِذا أنا مِتُّ؛ فلا تصحبني نائحةٌ ولا نار"(5).
ويلحق بذلك رفع الصوت بالذّكر أمام الجنازة؛ لأنّه بدعة، ولقول قيس بن عُبَاد:"كان أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز"(6).
ولأنّ فيه تشبّهاً بالنصارى؛ فإِنّهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم
(1) رانّة: الرنّة -بتشديد النون-: الصوت، يُقال: رنّت المرأة؛ إِذا صاحت. "شرح سنن ابن ماجه" للسندي (1/ 480).
(2)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1287)، وأحمد من طريقين عن مجاهد عنه، وهو حسن بمجموع الطريقين.
(3)
المِجْمَر: هو الذي يوضَع فيه النّار للبَخور، كما تقدّم.
(4)
أخرجه أحمد، وابن ماجه بسند حسن وغيرهما، وتقدّم.
(5)
أخرجه مسلم: 121.
(6)
أخرجه البيهقي، وابن المبارك في "الزهد"، وأبو نعيم بسند رجاله ثقات.
وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين.
وأقبح من ذلك: تشييعها بالعزف على آلالات الموسيقية أمامها عزفاً حزيناً، كما يفعل في بعص البلاد الإِسلامية تقليداً للكفّار! والله المُستعان.
قال النووي -رحمه الله تعالى- في "الأذكار"(ص 203): "واعلم أنّ الصواب والمختار وما كان عليه السلف رضي الله عنهم: السّكوت في حال السّير مع الجنازة، فلا يُرْفَعُ صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنّه أسكن لخاطره، وأجمع لفكره فيما يتعلّق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق، ولا تغترّ بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو عليّ الفُضَيْل بن عِيَاضٍ رضي الله عنه ما معناه: الزم طُرق الهدى؛ ولا يضرك قلّة السالكين، وإيّاك وطرُق الضلالة؛ ولا تغتر بكثرة الهالكين". وقد روّينا في "سنن البيهقي" ما يقتضي ما قلته (يشير إِلى قول قيس بن عباد). وأمّا ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها؛ من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن مواضعه، فحرام بإِجماع العلماء، وقد أوضحت قُبحه، وغلظ تحريمه، وفسق من تمكّن من إِنكاره فلم يُنكره في كتاب "آداب القراءة". والله المستعان".
قال شيخنا رحمه الله: "يشير إِلى كتابه "التبيان في آداب حَمَلة القرآن" انتهى.
وجاء في "مجموع الفتاوى"(24/ 293): "وسُئل عن رفع الصوت في الجنازة؟
فأجاب: الحمد لله؛ لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة، لا بقراءة ولا ذِكر
ولا غير ذلك؛ هذا مذهب الأئمة الأربعة، وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين، ولا أعلم فيه مخالفاً؛ بل قد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أنّه نهى أن يتبع بصوت أو نار: رواه أبو داود (1).
وسمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يقول في جنازة: استغفروا لأخيكم. فقال ابن عمر: لا غفر الله بعد!
وقال قيس بن عُبَاد -وهو من أكابر التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال.
وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أنّ هذا لم يكن على عهد القرون الثلاثة المفضلة.
وأما قول السائل: إِن هذا قد صار إِجماعاً من الناس! فليس كذلك؛ بل ما زال في المسلمين من يكره ذلك، وما زالت جنائز كثيرة تخرج بغير هذا في عدة أمصار من أمصار المسلمين.
وأما كون أهل بلد -أو بلدين أو عشر- تعوَّدوا ذلك؛ فليس هذا بإِجماع؛ بل أهل مدينة النّبيّ صلى الله عليه وسلم التي نزل فيها القرآن والسنة -وهي دار الهجرة، والنصرة، والإِيمان، والعلم- لم يكونوا يفعلون ذلك؛ بل لو اتفقوا في مثل زمن مالك وشيوخه على شيء، ولم ينقلوه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو خلفائه؛ لم يكن
(1) قال شيخنا رحمه الله في "أحكام الجنائز"(ص 91): "أخرجه أبو داود [انظر "ضعيف أبي داود" (696)]، وأحمد من حديث أبي هريرة، وفي سنده من لم يسمّ، لكنّه يتقوى بشواهده المرفوعة وبعض الآثار الموقوفة
…
".