الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذبح والنحر
ثمّ يأتي المنحر في منى فينحر هديه، وهذا هو السُّنّة.
لكن يجوز له أن ينحر في أي مكان آخر من منى، وكذلك في مكة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "قد نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت
= الرسالة؛ استغربوه، وبعضهم بادر إِلى تضعيفه -كما كنت فعلت أنا نفسي في بعض مؤلفاتي بناءً على الطريق التي عند أبي داود! وهذه مع أنها قواها الإِمام ابن القيم في "التهذيب" والحافظ في "التلخيص" بسكوته عليه؛ فقد وجدت له طريقاً أخرى يقطع الواقف عليها بانتفاء الضعف عنه، وارتقائه إِلى مرتبة الصحة، ولكنها لما كانت في مصدر غير متداول عند الجماهير -وهو "شرح معاني الآثار" للإِمام الطحاوي- خفيت عليه كما خفيت عليّ من قبل، فلذلك بادروا إلى الاستغراب أو التضعيف.
وشجّعهم على ذلك: أنهم وجدوا من قال من العلماء فيه: "لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به"! وهذا نفي، وهو ليس علماً؛ فإِن من المعلوم عند أهل العلم؛ أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه، فإِذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صريح الدلالة كهذا؛ وجبت المبادرة إِلى العمل به، ولا يتوقف ذلك على معرفة موقف أهل العلم منه، كما قال الإِمام الشافعي:
"يُقْبَلُ الخبر في الوقت الذي يثبت فيه، وإن لم يَمْضِ عمل من الأئمة بمثل الخبر الذى قبلوا، إِن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت بنفسه، لا يعمل غيره بعده".
قلت [أي: شيخنا رحمه الله]: "فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجَلُّ من أن يستشهد عليه بعمل الفقهاء به؛ فإِنه أصْل مستقل حاكم غير محكوم! ومع ذلك؛ فقد عمل بالحديث جماعة من أهل العلم؛ منهم عروة بن الزبير التابعي الجليل، فهل بعد هذا لأحد عذر في ترْك العمل به؟ {إِن في ذلك لِذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} .
هاهنا؛ وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا، وجَمع كلها موقف" (1).
وفي رواية: "وكلّ فجاج مكة طريق ومنحر"(2).
والسّنّة: أن يذبح أو ينحر بيده إِن تيسر له؛ وإلا أناب عنه غيره.
عن أنس رضي الله عنه قال: " .. ونحر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيده سبع بُدْنٍ قياماً"(3).
ويذبحها مستقبلاً بها القبلة (4)، فيُضْجِعُها على جانبها الأيسر، ويضع قدمه اليمنى على جانبها الأيمن (5).
وأمّا الإِبل؛ فالسّنّة أن ينحرها وهي قائمة معقولة اليسرى، قائمةً على ما بقي من قوائمها.
عن زياد بن جبير قال: "رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل
(1) أخرجه مسلم: 1218، وتقدّم.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1707)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2473).
(3)
أخرجه البخاري: 1712.
(4)
فيه حديث مرفوع عن جابر: عند أبي داود وغيره، مخرج في "الإرواء" (1138). وآخر عند البيهقي. وروي عن ابن عمر: أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إِذا ذبح. وروى عبد الرزاق بإِسناد صحيح عنه: أنه كان يكره أن يأكل ذبيحة ذبحت لغير القبلة.
(5)
قال الحافظ (10/ 16): "ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين،
وإمساك رأسها بيده اليسار".
قد أناخ بدنته ينحرها، قال: ابعثها قياماً مقيدة؛ سنةَ محمد صلى الله عليه وسلم" (1).
وعن عبد الرحمن بن سابط: "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها"(2).
ووجهها قِبَل القبلة (3).
ويقول عند الذبح أو النحر: بسم الله، والله أكبر، اللهم! إِن هذا منك ولك (4)، اللهم! تقبل مني (5).
ووقت الذبح أربعة أيام العيد: يوم النحر -وهو يوم الحج الأكبر (6) - وثلاثة أيام التشريق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل أيام التشريق ذبح"(7).
وله أن يأكل من هديه، وأن يتزود منه إِلى بلده كما فعَل النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه البخاري: 1713، ومسلم:1320.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1553).
(3)
رواه مالك بسند صحيح عن ابن عمر موقوفاً. وعلقه البخاري بصيغة الجزم رقم (330) من "مختصر البخاري".
(4)
أخرجه أبو داود وغيره من حديث جابر. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري رواه أبو يعلى، كما في "المجمع"، وهو مخرج في "الإِرواء"(1118).
(5)
انظر "صحيح مسلم"(1967).
(6)
علقه البخاري، ووصله أبو داود وغيره، "صحيح سنن أبي داود" 1700 و (1701).
(7)
أخرجه أحمد، وصححه ابن حبان، قال شيخنا رحمه الله:"وهو قوي عندى بمجموع طرقه، ولذلك خرجته في "الصحيحة" (2476) ".