الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأحاديث الأخرى لا تنفيها؛ وإِنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله -تعالى- الخالق لها.
وما أشبه اليوم بالبارحة! فإِن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة عنه -تعالى- لشركهم وضلالهم، وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية! فلهؤلاء يقال:"فمن أعدى الأول؟! ".
فأمّا المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب؛ فهو يُذكَّر بها، ويقال له -كما في حديث الترجمة-:"لا يورد الممرض على الصح"؛ أخذاً بالأسباب التي خلَقها الله -تعالى- وكما في بعض الأحاديث المتقدّمة (1): "وَفِرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد"
…
".
وجاء في "مجموع الفتاوى"(24/ 284): "وسُئل عن رجل مبتلى، سكَن في دارٍ بين قوم أصحَّاء، فقال بعضهم: لا يمكننا مجاورتك، ولا ينبغي أن تجاور الأصحاء، فهل يجوز إِخراجه؟
فأجاب: نعم؛ لهم أن يمنعوه من السكن بين الأصحاء، فإِن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا يورد ممرض على مُصح"؛ فنهى صاحب الإِبل الراض أن يوردها على صاحب الإِبل الصحاح، مع قوله:"لا عدوى ولا طِيَرة"، وكذلك روي أنه لما قدم مجذوم ليبايعه، أرسل إِليه بالبيعة، ولم يأذن له في دخول المدينة".
ذكر الموت والاستعداد له بالعمل:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجل
(1) إِشارة إِلى الحديث المتقدّم في "الصحيحة"(780) وفيه: "واتقوا المجذوم كما يُتّقى الأسد".
من الأنصار، فسلّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ثمّ قال: يا رسول الله! أيّ المؤمنين أفضل؟ قال: "أحسنهم خُلُقاً، قال: فأيّ المؤمنين أَكْيَسُ (1)؟ قال: أكثرهم للموت ذِكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً، أولئك الأكياس"(2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "أكثِروا ذِكر هاذِمَ (3) اللذات"(4).
وقال البخاري رحمه الله في "صحيحه": (من استعدَّ الكفن في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يُنكر عليه)(5)، ثمّ ساق بإِسناده حديث (1277) عن سهل رضي الله عنه "أنّ امرأة جاءت النّبيّ صلى الله عليه وسلم ببُردة منسوجة فيها حاشيتُها (6)،
(1) أكيس: أي: أعقل؛ "النهاية".
(2)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(3435) وغيره، وانظر "الصحيحة"(1384).
(3)
أي: قاطع.
(4)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(3434)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(1720)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1877)، وصححه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(682).
(5)
انظر منه (كتاب الجنائز)(باب 28).
(6)
قال الداودي: "يعني: أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية. وقال غيره: حاشية الثوب هُدْبُهُ؛ فكأنه قال: إِنها جديدة لم يقطع هدبها، ولم تلبس بعد. وقال القزاز: حاشيتا الثوب: ناحيتاه اللتان في طرفهما الهدب""فتح". وجاء في "النهاية": "وحاشية كل شيء جانبه وطرفه".
أتدرون ما البُردة (1)؟ قالوا: الشَّمْلة (2)، قال: نعم، قالت: نسجتها بيدي، فجئت لأكْسَوَكَها، فأخذها النّبيّ صلى الله عليه وسلم محتاجاً إِليها، فخرج إِلينا وإنها إِزاره، فحسّنها فلان، فقال: اكسُنيها ما أحسنها!
قال القوم: ما أحسنت، لبسها النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُحتاجاً إِليها ثمّ سألته وعلمت أنه لا يرُدُّ! قال: إِني -والله- ما سألته لألبسها، إِنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنه".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: في كم كفَّنْتم النّبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيضٍ سَحولية (3)؛ ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أيّ يوم توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يومَ الاثنين. قال: فأيّ يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين. قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إِلى ثوب عليه كان يُمرَّض فيه، به رَدْعٌ (4) من زعفران؛ فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين فكفّنوني فيهما. قلت: إِنّ هذا خَلَق! قال: إِن الحيّ أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمُهْلة (5)، فلم يُتوفَّ حتى
(1) و (2) البُردة: كساء أسود مربّع، يلبسه الأعراب. والشملة: كساء يُشتمل به. قاله الكرماني. وجاء في "الفتح"(3/ 143): "وفي تفسير البردة بالشملة تجوُّز؛ لأن البردة كساء والشملة ما يشتمل به؛ فهي أعمّ، لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها؛ أطلقوا عليها اسمها".
(3)
منسوبة إِلى سَحُول -بفتح المهملة وضمّها- قرية باليمن. قاله الكرماني.
(4)
الرَّدعْ: هو لَطْخ وأثر لم يعمّه كلّه: ملتقطاً من "شرح الكرماني" و"الفتح".
(5)
المُهْلة؛ أي: القيح والصديد الذي يذوب فيسيل من الجسد. "النهاية".