الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله القرآن، فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، يُفعل به إِلى يوم القيامة، والذي رأيته في الثَّقب؛ فهم الزناة، والذي رأيته في النهر؛ آكِلُو الربا. والشيخ في أصل الشجرة؛ إِبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله؛ فأولاد الناس. والذي يوقد النار؛ مالك خازن النار. والدار الأولى التي دخلت؛ دار عامّة المؤمنين. وأمّا هذه؛ الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي فإِذا فوقي مثل السّحاب، قالا: ذاك منزلك، قلت: دَعَاني أدخلْ منزلي! قالا: إِنه بقي لك عُمُر لم تستكمله، فلو استكملت أتيت منزلك" (1).
هل يجوز نبش القبر
؟
لا يجوز نبش القبر إِلا لغرض صحيح.
قال شيخنا رحمه الله (ص 203) -بتصرّف يسير-: "ويجوز إِخراج الميت من القبر لغرض صحيح، كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ونحو ذلك.
فعن جابر بن عبد الله قال: "أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبي بعدما دفن، فأخرجه؛ فَنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه"(2).
والظاهر: أنّ هذا كان قبل نزول قوله -تعالى-: {ولا تُصلِّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقُم على قبره} ". انتهى كلام شيخنا رحمه الله.
وقال البخاري رحمه الله في "صحيحه"(3): "باب هل يخرج الميت من
(1) أخرجه البخاري: 1386.
(2)
أخرجه البخاري: 1270، ومسلم:2773.
(3)
انظر (كتاب الجنائز)"باب - 77".
القبر واللحد لعلّة؟ ثمّ ذكر (برقم: 1351) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما حضر أُحد دعاني أبي من الليل فقال: ما أُراني إِلا مقتولاً في أول من يُقتل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعزّ عليّ منك؛ غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّ عليّ ديناً، فاقض واستوص بأخواتك خيراً.
فأصبحنا، فكان أوّل قتيل، ودفن معه آخر في قبر، ثمّ لم تَطِبْ نفسي أن أتركه مع الآخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر؛ فإِذا هو كَيَوْمَ وضَعْتُه هُنيَّة (1)؛ غيرَ أُذُنه".
وجاء في "الأوسط"(5/ 343): "واختلفوا في النبش عمن دفن ولم يغسل: فقال أكثر أهل العلم: يخرج فيغسل. هكذا قال مالك والثوري والشافعي، إِلا أن مالكاً قال: ما لم يتغير.
وقال أصحاب الرأي: إِذا وضع في اللحد ولم يغسل، ولم يُهَلْ عليه التراب؛ أخرج فغسل وصلّي عليه، وإن كانوا نصبوا اللبن، وأهالوا عليه التراب؛ لم يَنْبَغ لهم أن ينبشوا الميت من قبره".
قال أبو بكر [وهو ابن المنذر رحمه الله]: يُخرج ويغسل ما لم يتغير، كما قال مالك" انتهى.
ولقول مالك وأبي بكر -رحمهما الله- تطمئن نفسي.
قال ابن حزم رحمه الله (5/ 169 - تحت المسألة: 559): "ومن لم يُغَسل ولا كُفِّن حتى دُفِن؛ وجب إِخراجه حتى يغسّل ويكفّن؛ ولا بُدّ".
(1) أي: شيئاً يسيراً.
وجاء في "مجموع الفتاوى"(24/ 304): "وسئل رحمه الله عن قوم لهم تربة، وهي في مكان منقطع، وقتل فيها قتيل، وقد بنوا لهم تربة أخرى؛ هل يجوز نقل موتاهم إِلى التربة المُسْتَجَدَّةِ أم لا؟
فأجاب: لا يُنبش الميت لأجل ما ذُكِر. والله أعلم" انتهى.
وسألت شيخنا رحمه الله عن قول بعض العلماء: "ولو حُفر القبر فوُجَد فيه عظام الميت باقية؛ لا يُتمّ الحافر حفره"؟
فقال: "به أقول".
وسألته رحمه الله: هل يجوز نبش القبر لإِخراج مالٍ تُرك في القبر؟
فقال: "نعم".
وسألته رحمه الله: إذا صار جسم الميت تراباً؛ فهل ينتفع من المكان بزرعٍ أو نحوه؟
فأجاب: هذا يُتصوّر في أرضٍ قَفْرٍ؛ دُفن فيها ميت، ثمّ أصَبَح هذا الميت تراباً ورميماً، فبهذا التصوّر الضيّق؛ نعم، كما يروى عن أبي العلاء المعرّي أنه قال:
صَاحِ هذي قبورُنا تملأ الرَّحب (1)
…
فأين القبور من عهد عادِ
خفَف الوطء (2) ما أظنّ
…
أديم الأرض إلَاّ من هذه الأجساد
(1) و (2) الرّحب: الواسع، يقال: مكان رَحب ودار رَحبة؛ والرَّحبة: الأرض الواسعة.
الوطء: الدوس بالقدم. "الوسيط" ملتقطاً.
فإِذا كان السؤال في ميِّت محدّد في هذا الوضْع الضّيق؛ فالجواب الجواز، ولكن إِذا كان القبر في مقبرة؛ فحينئذ يختلف الحُكم تماماً، وبهذا التحديد يجوز؛ وإلَاّ فلا.
قلت: فإِذا كانت المقبرة كلها تراباً؛ هل يمكن الانتفاع بذلك؟
فقال رحمه الله: المسألة تأخذ طوراً آخر، فالمقابر بشكل عام موقوفة لموتى المسلمين، بمعنى أن أرض المقبرة لا يملكها أحد، فلا يستطيع أحد أن يشتريها؛ لأنّه لا مالك لها، فمن الأخطاء الشائعة أن تباع القبور! ومن هو المالك؟
والانتفاع بأرض المقبرة بعد أن صار أهلها رميماً؛ لا يرِدُ جوازه من هذه الحيثية، وعلى العكس من ذلك.
لو قيل: هذه مقبرة عائلة؛ فهذه الأرض ملْك لهم؛ فإِذا أصبحَ الموتى تراباً؛ فباستطاعتهم استثمارها في بناية دار أو حديقة؛ لأنها ملْك لهم.
فهنا شرطان: أن يتحول الموتى رميماً، وأن تكون الأرض مملوكة.
وسألت شيخنا رحمه الله عن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أُبي بعد ما أُدخل قبره، فأمر به فأُخرج ووضع على رُكبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، فالله أعلم"(1)؛ هل يفيدنا في جواز إِخراج الميّت؟
فقال رحمه الله: وهو لا يزال سليماً؟
قلت: حديث عهد بدفن؟
(1) أخرجه البخاري: 5795، وتقدّم غير بعيد.