الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُكفّن المُحرِم في ثوبيه الذين مات فيهما:
والمُحْرِم يُكفَّن في ثوبيه اللّذين مات فيهما، كما في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدّم في المحرِم الذي وقصته الناقة: " .. وكفّنوه في ثوبيه [اللذين أحرم فيهما]
…
".
ويستحبّ في الكفن أمور:
الأوّل: البياض.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البَسوا من ثيابكم البياض؛ فإِنّها من خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم"(1).
الثاني: كونُه ثلاثةَ أثواب.
عن عائشة رضي الله عنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثة أثواب يمانِيَةٍ بيض سَحولية (2) من كُرْسُفٍ؛ ليس فيهنّ قميص ولا عِمامة" (3).
وفي زيادة: "أُدرج فيها إِدراجاً"(4).
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3284)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(792)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1201)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(1788).
(2)
سحوليّة: يروى بفتح السين وضمّها، فالفتح منسوب إِلى السَّحُول، وهو القصّار [المُبيّض للثّياب]؛ لأنه يسْحلُها؛ أي: يغسلها، أو إِلى سَحُول؛ وهي قرية باليمن.
وأمّا الضم؛ فهو جمع سَحْل، وهو الثوب الأبيض النقي، ولا يكون إلَاّ من قُطن".
(3)
أخرجه البخاري: 1264، ومسلم:941.
(4)
أخرجه أحمد، وانظر "أحكام الجنائز"(ص 83).
الثالث: أن يكون أحدها ثوبَ حِبَرَةٍ (1) إِذا تيسّر.
فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذا تُوفّي أحدكم فوجد شيئاً؛ فليكفِّن في ثوب حِبَرة"(2).
قال شيخنا -رحمه الله تعالى- "اعلم أنه لا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الأول في البياض: "وكفنوا فيها موتاكم"؛ لإِمكان التوفيق بينهما بوجه من وجوه الجمع الكثيرة المعلومة عند العلماء، ويخطر في بالي الآن منها وجهان:
1 -
أن تكون الحِبَرة بيضاء مخططة ويكون الغالب عليها البياض؛ فحينئذٍ يشملها الحديث الأول؛ باعتبار أن العبرة في كل شيء بالغالب عليه، وهذا إِذا كان الكفن ثوباً واحداً، وأما إِذا كان أكثر؛ فالجمع أيسر؛ وهو الوجه الآتي.
2 -
أن يجعل كفناً واحداً حِبَرةً، وما بقي أبيضَ، وبذلك يُعْمَلُ بالحديثين معاً.
ْالرابع: تبخيرهُ ثلاثاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذا جمّرتم (3) الميت؛ فأجمروه ثلاثاً"(4).
وهذا الحكم لا يشمل المُحِرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المُحْرم الذي وقصته الناقة:
(1) الحِبرة -بوزن عِنَبَة- والحبير من البُرود: ما كان مَوْشِيّاً، وهو بُرد يمانٍ. وانظر "النهاية"، وتقدّم.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2703) وغيره.
(3)
أي: بخّرتموه بالطيب. "النهاية".
(4)
أخرجه أحمد، وابن أبي شيبة، وابن حبان في "صحيحه"، وغيرهم، وصححه شيخنا رحمه الله في "أحكام الجنائز"(84).
" .. ولا تطيّبوه
…
". [تقدّم تخريجه.]
ولا تجوز المُغالاة في الكفن، ولا الزيادة فيه على الثلاثة؛ لأنّه خلاف ما كُفّن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه إِضاعة للمال، وهو منهيّ عنه؛ لا سيّما والحيُّ أولى به.
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنّ الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإِضاعة المال، وكثرة السؤال"(1).
قال شيخنا -رحمه الله تعالى-: "ويُعجبني بهذه المناسبة ما قاله العلاّمة أبو الطيّب في "الروضة الندية" (1/ 165): "وليس تكثير الأكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود؛ فإِنّه لولا ورود الشرع به؛ لكان من إِضاعة المال؛ لأنّه لا ينتفع به الميت، ولا يعود نفْعه على الحي، ورحم الله أبا بكر الصّديق حيث قال:"إِن الحيّ أحقُ بالجديد .. لمّا قيل له عند تعيينه لثوب من أثوابه في كفنه: إِنّ هذا خَلَق"(2). انتهى.
جاء في "السيل الجرّار"(1/ 348): "أقول: الذي أوصى بأن يُكفّن في زيادة على سبعة (3) أكفان؛ فقد أوصى بما نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم من إِضاعة المال، وهذا إِضاعة للمال بلا شك ولا شبهة؛ فهو وصية بمحْظور لا يجوز تنفيذها، وإنما قلنا: إِنه إِضاعة للمال؛ لأنّه لا ينتفع به الميت، وإن كفن
(1) أخرجه البخاري: 1477، ومسلم:1715.
(2)
أخرجه البخاري: 1387.
(3)
ليس فيه جواز التكفين بسبعة أثواب، ولكنّه في معرض الردّ وقد قال رحمه الله في الصفحة نفسها: "
…
ولو سلمنا ذلك؛ لكان أفضل الأكفان ثلاثة دروج؛ فلا يصحّ قول المصنف: والمشروع إِلى سبعة وتراً".