الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سؤال القبر وعذابه ونعيمه
(1):
وقد تقدّم في سؤال القبر عذابه ونعيمه: حديثُ البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أيضاً عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا أُقعد المؤمن في قبره؛ أُتي ثمّ شهِدَ أن لا إِله إِلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}، وفي رواية: نزلت في عذاب القبر"(2).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه حدّثهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه -وإنه ليسمع قرع نعالهم-؛ أتاه ملكان فيُقعِدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذ الرجل -لمحمد صلى الله عليه وسلم-؟ فأمّا المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعًا. قال قتادة: وذُكِر لنا أنّه يُفسح له في قبره.
ثمّ رجع إِلى حديث أنس قال: وأمّا المنافق والكافر فيُقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري! كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غيرَ الثقلين" (3).
(1) انظر للمزيد -إِن شئت- كتابي "القبر عذابه ونعيمه".
(2)
أخرجه البخاري: 1369، ومسلم:2871.
(3)
أخرجه البخاري: 1374، ومسلم:2870.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغْلة له ونحن معه؛ إِذ حادَتْ به فكادت تلقيه، وإذا أَقْبُرٌ ستة أو خمسة أو أربعة، فقال:"من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر؟ فقال رجل: أنا. قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإِشراك، فقال: إِن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا؛ لدعوت الله أن يُسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه؛ ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: تعوّذوا بالله من عذاب النّار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النّار، فقال: تعوّذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر! قال: تعوّذوا بالله من الفتن: ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن: ما ظهر منها وما بطن! قال: تعوّذوا بالله من فتنة الدّجال. قالوا: نعوذ بالله من فنتة الدّجال! "(1).
وعن سمرة بن جندب قال: "كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِذا صلّى صلاة؛ أقبل علينا بوجهه فقال: من رأى منكم الليلة رؤيا؟ قال: فإِن رأى أحد قصّها، فيقول ما شاء الله، فسألَنا يوماً فقال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا، قال: لكنّي رأيت الليلة رجلين؛ أتياني فأخذا بيدي، فأخرجاني إِلى الأرض المقدّسة؛ فإِذا رجل جالس، ورجل قائم بيده كَلُّوب من حديد -قال بعض أصحابنا عن موسى أنه- يدخل ذلك الكلوب في شِدْقِهِ حتى يبلغ قفاه، ثمّ يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويَلْتَئِمُ شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله، قلت: ما هذا؟ قالا: انطلق.
فانطلقنا حتى أتينا على رجل مُضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه
(1) أخرجه مسلم: 2867.
بفِهْرٍ (1) أو صخرة، فَيَشْدَخُ به رأسه، فإِذا ضربه تَدَهْدَه (2) الحجر، فانطلق إِليه ليأخذه؛ فلا يرجع إِلى هذا حتى يلتئم رأسه؛ وعاد رأسه كما هو، فعاد إِليه فضربه، قلت: من هذا؟ قالا: انطلق.
فانطلقنا إِلى ثُقْبٍ مثل التّنّور؛ أعلاه ضيّق وأسفله واسع، يتوقّد تحته ناراً؛ فإِذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإِذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، فقلت: من هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة -قال يزيد ووهب بن جرير عن جرير بن حازم: وعلى شطّ النهر رجل-؛ فأقبل الرجل الذي في النهر، فإِذا أراد أن يخرج؛ رمى الرجل بحجر في فيهِ؛ فردَّه حيث كان، فجعل كلّما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق، فانطلقنا حتى انتهينا إِلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصِبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعِدا بي في الشجرة، وأدخلاني داراً لم أرَ قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثمّ أخرجاني منها، فصعدا بي الشجرة؛ فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل، فيها شيوخ وشباب، قلت: طوّفتماني الليلة فأخبِراني عمّا رأيت؟ قالا: نعم.
أمّا الذي رأيته يُشق شِدقه؛ فكذاب يحدِّث بالكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إِلى يوم القيامة. والذي رأيته يُشدخ رأسه؛ فرجل علّمه
(1) الفِهْر: هو الحجر مِلءُ الكفِّ. وقيل: هو الحجر مطلقاً. "النهاية".
(2)
أي: تدحرج.