الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحسن}، ومع ذلك فإِنه ينبغي على الداعية أن يلاحظ أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف -لتعصبه لمذهبه أو رأيه- وأنه إِذا صابره في الجدال؛ فلربما ترتب عليه ما لا يجوز أنه من الخير له حينئذ؛ أن يدَع الجدال معه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في رَبَض الجنة (1) لمن ترك المراء وإن كان مُحقّاً
…
" الحديث (2) * (3).
محظورات الإِحرام
(4):
1 -
لباس المخيط، وهو ما كان على قدْر العضو؛ كالقميص والبرنس (5) والسراويل والعمامة ونحوها.
وكذلك يحرم لُبس الثوب الذي مسّه ورس -وهو نبت أصفر يُصبغ به- أو زعفران.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "يا رسول الله! ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القُمُصَ ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانِس ولا الخفاف؛ إِلا أحد لا يجد نعلين؛ فليلبس خفين وليقطعهما
(1) ما حولها خارجاً عنها، تشبيهاً بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع. "النهاية".
(2)
أخرجه أبو داود وغيره، وهو حديث حسن، خرّجه شيخنا رحمه الله في "الصحيحة"(273).
(3)
ما بين نجمتين من "مناسك الحج والعمرة"(ص 8).
(4)
من "فقه السنة" بتصرّف وزيادة.
(5)
البُرنس: كلّ ثوب رأسه منه ملتزَق به. "النهاية".
أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسّه زعفران أو ورس" (1).
أمّا المرأة؛ فإِنها تلبس جميع ذلك، ولكن يَحْرم عليها الثوب -الذي مسّه الطيب- والنقاب والقفازان.
قال شيخنا رحمه الله في التعليق على "الروضة الندية": "وأما سدْلها على وجهها فجائز، وهو غير التنقيب، والتسوية بينهما خطأ، كما بيّنه ابن القيم في "إِعلام الموقّعين" (1/ 269) ".
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب (2) المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين (3) "(4).
وعنه رضي الله عنه: أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إِحرامهن عن القفازين، والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب؛ مُعَصفراً أو خزّاً (5)، أو حلياً أو سراويل أو قميصاً أو خفاً" (6).
(1) أخرجه البخاري: 1542، ومسلم: 1177، وتقدّم.
(2)
النقاب، قال الحافظ:"الخمار الذي يشدّ على الأنف، أو تحت المحاجر. والمحاجر: جمع مَحجر: ما أحاط بالعين".
(3)
شيء يلبسه نساء العرب في أيديهنّ، يغطّي الأصابع والكف والساعد من البرد، ويكون فيه قطن محشو. "النهاية".
(4)
أخرجه البخاري: 1838، وتقدّم.
(5)
الخَزّ: ثياب تُنسج من صوف وإبْرَيسَم. "النهاية". والإِبرَيسَم: الحرير.
(6)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1612).
ولبست عائشة رضي الله عنها الثياب المعصفرة (1) وهي محرمة، وقالت: لا تَلَثَّمْ ولا تتبرقعْ (2)، ولا تلبس ثوباً بورس ولا زعفران.
وقال جابر: لا أرى المعصفر طيباً.
ولم تر عائشة بأساً بالحُلي والثوب الأسود والمورّد والخُفّ للمرأة (3).
ومن لم يجد الإِزار والرداء؛ فله أن يلبس السراويل.
ولا يلبس الخُفّين؛ إِلا إِذا لم يجد النعلين؛ فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين، وتقدّم دليل هذا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
جاء في "مناسك الحج والعمرة"(ص 12): "قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "منسكه": وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين؛ فإِن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بالقطع أولاً، ثمّ رخصّ بعد ذلك في عرفات في لبس السراويل لمن لم يجد إِزاراً، ورخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، هذا أصح قولي العلماء"
…
". انتهى. وتقدّم.
قلت: يشير رحمه الله إِلى حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: "من لم يجد الإِزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النّعلين فليلبس الخُفين"(4).
(1) عصْفر الثوب وغيره: صبغه بالعُصفر. "الوسيط".
(2)
أي: تلبس البُرقع، وهو قناع فيه خرَقان للعينين.
(3)
رواه البخاري معلقاً في "كتاب الحج" (23 - باب ما يلبس المحرم من الثياب
…
)، وانظر "الفتح"(3/ 405) لبيان وصْل هذين الأثرين.
(4)
أخرجه البخاري: 1843، ومسلم:1178.
قال الحافظ رحمه الله: "وجزم المصنف بالحكم في هذه المسألة دون التي قبلها؛ لقوة دليلها، وتصريح المخالف بأن الحديث لم يبلغه، فيتعين على من بلغه العمل به".
2 -
الجماع ودواعيه؛ كالتقبيل، واللمس بشهوة، وخطاب الرجل المرأة فيما يتعلّق بالوطء.
3 -
اقتراف المعاصي والمنكرات.
4 -
المخاصمة والمجادلة مع الرفقاء والخدم وغيرهم.
والأصل تحريم هذه الأمور في غير الحجّ؛ وهي ها هنا آكد، ولبيان خطرها في الحجّ.
ودليل ما تقدّم قوله -تعالى- {فمن فرَض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "الرفث: الإِعرابة (2) والتعريض للنساء بالجماع. والفسوق: المعاصي كلّها. والجدال: جدال الرجل صاحبه"(3).
*وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث: الجماع وما دونه من قول الفحش.
(1) البقرة: 197.
(2)
الإعرابة: الإِفحاش في القول والرفث: اسم موضوع من التعريب والإِعراب، يقال: عرّب وأعرب: إِذا أفحش، وقيل: أراد به الإيضاح والتصريح بالهجْرِ مْن الكلام. "النهاية" بحذف يسير.
(3)
أخرجه الطبراني في "الكبير"، والضياء في "المختارة"، وهو ثابت موقوفاً، ضعيف مرفوعاً، وانظر "الضعيفة"(1313).
وقال طاوس: هو أن تقول للمرأة: إِذا حلَلْت أصبتك.
وقال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم: الرفث: غشيان النساء.* (1)
وسألت شيخنا رحمه الله: هل ترون أنّ لمس الزوجة بشهوة من محظورات الإِحرام؟
فأجاب: "إِنه محظورٌ لغيره، من باب سدّ الذريعة".
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجّاجاً، حتى إِذا كنا بالعرْج؛ نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلنا، فجلست عائشة إِلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلست إِلى جنب أبي، وكانت زِمالة (2) أبي بكر وزمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة مع غلام لأبي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع وليس معه بعيره، قال: أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة. قال: فقال أبو بكر: بعير واحد تُضله؟ قال: فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم، ويقول: انظروا إِلى هذا المحرم ما يصنع! قال ابن أبي رِزْمَةَ: فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول: انظروا إِلى هذا المحرم ما يصنع! ويتبسم" (3).
وهذا ليس فيه إِقرار؛ بل هو كهيئة الإِنكار اللطيف، كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره.
لذلك جاء في "سنن ابن ماجه" تحت (باب التوقّي في الإِحرام).
(1) ما بين نجمتين من "تفسير ابن كثير".
(2)
زِمالة؛ أي: مركوبُهما وأداتهما وما كان معهما في السفر. "النهاية".
(3)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1602) وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2373) وغيرهما.
وسألت شيخنا رحمه الله: هل يفهم من الحديث السابق جواز تأديب الخادم ونحوه، كما قال بعضهم؟
فقال: "لا بل هو للإِنكار".
5 -
عقْد النّكاح لنفسه أو لغيره، بولايةٍ أو وكالة.
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنِكحُ المحرم ولا يُنكَح ولا يخطُب"(1).
وأمّا ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم"(2).
فهو معارض بما ورد عن يزيد بن الأصمّ رضي الله عنهما: حدثتني ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال"(3)!
قال شيخنا رحمه الله في "مختصر مسلم"(ص 212): "والحديث [أي: تزوج ميمونة وهو مُحْرِم] شاذ عند المحقّقين؛ لمخالفته للحديث الذي بعده [أي: حديث يزيد بن الأصمّ] انظر مقدّمة "آداب الزفاف"
…
وقد أشار الإِمام الشافعي في "الأم"(5/ 160) إِلى شذوذه فراجعه؛ فإِنّه مهمّ".
وسألت شيخنا رحمه الله هل ترون بطلان عقْد نكاح المحرم؟
(1) أخرجه مسلم: 1409.
(2)
أخرجه البخاري: 1837، ومسلم:1410.
(3)
أخرجه مسلم: 1411.
فقال: "نعم؛ نكاحه باطل".
ويرى صديق خان صاحب "الروضة" عدم بطلان الحج بالجماع قبل وقوف عرفة.
وردّ عليه شيخنا رحمه الله متعقباً: "قلت: قد نقل الحافظ في "الفتح" (4/ 42) الإِجماع على إِفساد الحج والعمرة بالجماع، وسبقه إِلى ذلك ابن حزم في "مراتب الإِجماع" (ص 42)، وقيده بأن يكون ذاكراً؛ ما لم يَقْدم المعتمر مكة، ولم يأت وقت الوقوف بعرفة للحاج.
ولم يتعقبه شيخ الإِسلام بشيء؛ فالظاهر صحة هذا الإِجماع، فإِذا صحّ؛ فهو الدليل على الفساد، والله أعلم".
ثمّ أشار شيخنا إِلى ما ذكره شيخ الإِسلام -رحمهما الله تعالى- في "رسالة الصيام" حول ذلك.
وسألت شيخنا رحمه الله: هل ترون إِبطال حج أو عمرة من جامع أهله (1)؟
فأجاب رحمه الله: "نعم".
6 -
تقليم الأظفار وإِزالة الشعر أو غيره بالحلق أو القصّ أو بأي طريقة.
قال الله -تعالى-: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي مَحِلَّهُ} (2).
قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أنّ المحرم ممنوع من
…
أخْذ الشعر وتقليم
(1) يعني: قبل التحلُّل المعروف.
(2)
البقرة: 196.
الأظفار" (1).
وتقدّم جواز طرح الظفر إِذا انكسر.
ويجوز إِزالة الشعر إِذا تأذّى ببقائه، مع وجوب الفدية؛ لقول الله -تعالى-:{فمن كان منكم مريضاً أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نُسُك} (2).
وسيأتي التفصيل بإِذن الله -تعالى-.
7 -
التطيّب في الثوب أو البدن سواءً أكان رجلاً أم امرأة.
عن صفوان بن يعلى: أنّ يعلى قال لعمر رضي الله عنه: "أرني النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين يوحى إِليه، قال: فبينما النّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالجعرانة -ومعه نفر من أصحابه-؛ جاءه رجل فقال: يا رسول الله! كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو مُتَضَمِّخٌ بطيب؟ فسكت النّبيّ صلى الله عليه وسلم ساعة، فجاءه الوحي، فأشار عمر رضي الله عنه إِلى يعلى، فجاء يعلى؛ وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب قد أُظِلّ (3) به، فأدخل رأسه؛ فإِذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الوجه وهو يَغِطُّ (4)، ثمّ سُرًّي (5) عنه فقال:
(1)"الإِجماع"(ص 49).
(2)
البقرة: 196.
(3)
أي: جُعل عليه كالظلّة. "فتح".
(4)
يَغِطّ؛ أي: ينفخ. والغطيط: صوت النفس المتردّد من النائم أو المغمى، وسبب ذلك شدّة ثِقل الوحي. "فتح".
(5)
سُرّي عنه: أي؛ أُزيل ما به وكشف عنه؛ والله أعلم. "نووي".