الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال رحمه الله: في هذا الأثر إِشارةٌ من هذا الصحابي الجليل إِلى جواز الدعاء بطول العمر ولو للكافر، فللمسلم أولى، ولكن لا بُدّ أن يلاحظ الداعي أن لا يكون عدوًّا للمسلمين، ويترشّح منه جواز تعزية مِثله لما في هذا الأثر".
والخلاصة جواز تعزية الكافر غير الحربيّ أو المعادي للمسلمين أحسن المعزّي عزاءَه وأمِن الفتنة، والله -تعالى- أعلم.
وسألته رحمه الله: هل ترون الذهاب إِلى بيوت التعزية للنهي عن المنكر؛ مع ما قد عَلِمنا من حُكمه؟!
فقال: يحضر وينصح ويُذكّر، أمّا للتعزية فقط فلا.
لا تُحدّ التعزية بثلاثة أيام:
ولا تُحدّ التعزية بثلاثة أيام لا يتجاوزها؛ فإِن حديث: "لا عزاء فوق ثلاث" لا يُعرف له أصْل؛ كما قال شيخنا رحمه الله.
بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عزى بعد الثلاثة في حديث عبد الله بن جعفر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً استعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: فإِنْ قُتل زيد أو استشهد؛ فأميركم جعفر، فإِنْ قتل أو استشهد، فأميركم عبد الله بن رواحة؛ فلقوا العدوّ، فأخذ الراية زيد، فقاتل حتى قُتل، ثمّ أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قُتل، ثمّ أخذها عبد الله، فقاتل حتى قُتل، ثمّ أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه.
وأتى خبرهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فخرج إِلى الناس، فحمد الله وأثنى عليه وقال: إِنّ إِخوانكم لقوا العدوّ، وإِنّ زيداً أخذ الراية، فقاتل حتى قُتل واستشهد، ثمّ ..
ثم .. ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله: خالد بن الوليد؛ ففتح الله عليه، فأُمِهْل؛ ثمّ أَمْهَل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم، ثمّ أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي ابْنَيْ أخ.
قال: فجيء بنا كأنّا أفْرُخٌ، فقال: ادعوا لي الحلاق، فجيءَ بالحلاق، فحلق رؤوسنا ثمّ قال: أمّا محمد؛ فشبيه عمِّنا أبي طالب، وأما عبد الله؛ فشبيه خلْقي وخُلُقي، ثمّ أخذ بيدي فأشالها فقال: اللهمّ اخلف جعفراً في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، قالها ثلاث مرات.
قال: فجاءت أُمنّا فذكرت له يُتْمَنا، وجعلت تُفْرِح (1) له، فقال: آلعَيْلَةَ تخافين عليهم؛ وأنا وليُّهم في الدنيا والآخرة؟! " (2).
قال شيخنا رحمه الله (ص210): "وقد ذهب إِلى ما ذكرنا -من أنّ التعزية لا تُحدّ بحدّ-: جماعة من أصحاب الإِمام أحمد، كما في "الإِنصاف" (2/ 564)، وهو وجهٌ في المذهب الشافعي، قالوا: لأنّ الغرض الدعاء، والحمل على الصبر، والنهي عن الجزع، وذلك يحصل مع طول الزمان.
حكاه إِمام الحرمين، وبه قطع أبو العباس ابن القاص من أئمتهم، وإن أنكره عليه بعضهم؛ فإِنما ذلك من طريق المعروف من المذهب لا الدليل، وانظر "المجموع"(5/ 306) ".
(1) تُفرِحُه: مِن أفرَحه: إِذا غمّه وأزال عنه الفرَح، وأفرَحه الدّين إِذا أثقله. "النهاية".
(2)
أخرجه أحمد بإِسناد صحيح على شرط مسلم، وانظر "أحكام الجنائز"(ص 209).