الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آخر الجمرات وأقربهن إِلى مكة.
ويستقبل الجمرة، ويجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه.
ويرميها بسبع حصيات مثل حصى الخَذْف، وهو أكبر من الحِمِّصَة قليلاً.
الرفق في رمي الجمار وصفتها:
عن أم سليمان بن عمرو بن الأحوص قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب، يُكبّر مع كلّ حصاة، ورجل من خلفه يستره، فسألت عن الرجل، فقالوا: الفضل بن العباس، وازدحم الناس، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! لا يقتل بعضكم بعضاً، وإذا رميتم الجمرة؛ فارموا بمثل حصى الخَذْف" (2).
= من حيث شاء، كما قال ابن تيمية رحمه الله؛ وذلك لأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يحدد لذلك مكاناً، وغاية ما جاء فيه حديث ابن عباس (وفي رواية: الفضل بن عباس) قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة (وفي رواية: غداة النحر، وفي أخرى: غداة جمع) وهو على راحلته: هاتِ القُطْ لي. فلقطت له حصيات نحواً من حصى الخذف، فلمّا وضعتهنّ في يده قال: مثل هؤلاء -ثلاث مرات-؛ وإياكم والغلو في الدين؛ فإِنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين". أخرجه النسائي، وابن ماجه، وابن الجارود في "المنتقى" -والسياق له-، وابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي، وأحمد بسند صحيح. فهذا مع كونه لا نص فيه على المكان؛ فهو يشعر بأن الالتقاط كان عند جمرة العقبة، على الرواية الثانية، وكذا الأولى وعليها أكثر الرواة .. فما يفعله كثير من الحجاج -من التقاط الحصيات من المزدلفة وحين وصولهم إِليها- خلاف السُّنّة، مع ما فيه من التكلّف لحمل الحصيات لكل يوم".
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1729) وغيره، وانظر "الصحيحة"(2445).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة- وهو على ناقته-: أُلقُطْ لي حصًى. فلقطت له سبع حصيات، هنّ حصى الخذْف، فجعل ينفضهنّ في كفه ويقول: أمثال هؤلاء فارموا. ثمّ قال: يا أيها الناس! إِياكم والغلوّ في الدّين؛ فإِنه أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدّين" (1).
ويكبر مع كلّ حصاة.
ْفعن جابر رضي الله عنه: "أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكبّر مع كلّ حصاة"(2).
ويقطع التلبية مع آخر حصاة.
عن الفضل رضي الله عنه: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة"(3).
ولا يرميها إِلا بعد طلوع الشمس، ولو كان من النساء أو الضعفة الذين أبيح لهم الانطلاق من المزدلفة بعد نصف الليل، فهذا شيء، والرمي شيءآخر.
عن جابر رضي الله عنه قال: "رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضُحى، وأمّا بعدُ (4)؛ فإِذا زالت الشمس"(5).
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2455)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(2863)، وانظر "الصحيحة"(1283).
(2)
أخرجه مسلم: 1218، وانظر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في "صحيح البخاري"(1750)، و"صحيح مسلم"(1296).
(3)
أخرجه البخاري: 1670، ومسلم:1281.
(4)
أي: أيام التشريق الثلاثة.
(5)
أخرجه مسلم: 1299.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قَدَّمَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أُغَيْلِمَة (1) بني عبد المطلب على حُمُرات (2)؛ فجعل يَلْطَخُ (3) أفخاذنا ويقول: أُبَينِيَّ! لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس" (4).
قال شيخنا رحمه الله في كتاب "حجة النّبيّ صلى الله عليه وسلم"(ص 80) -بتصرُّفٍ يسير-:
وهنا تنبيهات:
الأول: أنّه لا يجوز الرمي يوم النحر قبل طلوع الشمس، ولو من الضعفة والنساء الذين يرخص لهم أن يرتحلوا من المزدلفة بعد نصف الليل، فلا بد لهم من الانتظار حتى تطلع الشمس ثمّ يرمون، لحديث ابن عباس رضي الله عنه:"أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ أهله وأمَرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس؛ وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وصححه الترمذي، وابن حبان، وحسنه الحافظ في "الفتح" (3/ 422)، ولا يصلح أن يعارض بما في البخاري (5): أنّ أسماء بنت أبي بكر رمت الجمرة ثمّ صلت الصبح بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
(1) أُغيلمَة: تصغير أغلِمة، جمع غلام. "النهاية".
(2)
حُمُرات: جمع حُمُر، وحُمُر: جمع حمار. "عون المعبود"(5/ 289).
(3)
قال الجوهري: اللطخ: الضرب اللين على الظهر ببطن الكف. "عون المعبود"(5/ 289) أيضاً.
(4)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1710)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(709)، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2451)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(2870)، وانظر "الإِرواء"(4/ 246).
(5)
1679، ومسلم:1291.
لأنه ليس صريحاً أنها فعلت ذلك بإِذن منه صلى الله عليه وسلم؛ بخلاف ارتحالها بعد نصف الليل؛ فقد صرحت بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أذن بذلك للظُّعن (1)، فمن الجائز أنها فهمت -من هذا الإِذن- الإِذن أيضاً بالرمي بليل، ولم يبلغها نهيه صلى الله عليه وسلم الذي حفظه ابن عباس رضي الله عنه.
الثاني: أن هناك رخصةً بالرمي في هذا اليوم بعد الزوال ولو إِلى الليل، فيستطيع أن يتمتع بها من يجد المشقة في الرمي ضحى، والدليل حديث ابن عباس أيضاً قال:"كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ يوم النحر بمنى؟ فيقول: لا حرج. فسأله رجل، فقال: حلقت قبل أن أذبح؟ قال اذبح ولا حرج. قال: رميت بعد ما أمسيت؟ فقال: "لا حرج" (2). وإلى هذا ذهب الشوكاني، ومن قبله ابن حزم، قال في "المحلّى": "إِنما نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن رميها ما لم تطلع الشمس من يوم النحر، وأباح رميها بعد ذلك، وإن أمسى، وهذا يقع على الليل والعشي معاً".
فاحفظ هذه الرخصة؛ فإِنها تنجيك من الوقوع في ارتكاب نهي الرسول صلى الله عليه وسلم المتقدّم عن الرمي قبل طلوع الشمس، الذي يخالفه كثير من الحجاج بزعم الضرورة. انتهى كلام شيخنا رحمه الله.
قلت: وذكر بعض العلماء حديث عائشة أنها قالت: "أرسل النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأمّ سلمة ليلة النحر؛ فرمت الجمرة قبل الفجر، ثمّ مضت فأفاضت، وكان ذلك
(1) قال في "الفتح": "جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج؛ ثمّ أطلق على المرأة مطلقاً. وانظر "النهاية" -إِن شئت- للمزيد من الفوائد اللغوية.
(2)
أخرجه البخاري: 1735، ومسلم:1306.
اليومُ اليومَ الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم -تعني: عندها-!!
وقد ضعّفه شيخنا رحمه الله في "ضعيف سنن أبي داود"(423).
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن": "قال ابن عبد البر: كان الإِمام أحمد يدفع حديث أم سلمة هذا ويضعفه. قال ابن عبد البر: وأجمع المسلمون على أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِنما رماها ضحى ذلك اليوم. وقال جابر: "رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس". أخرجه مسلم. وقال أبو داود: اختلفوا في رميها قبل طلوع الشمس، فمن رماها قبل طلوع الشمس لم يجزِهِ وعليه الإِعادة.
قال ابن عبد البر: وحجته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رماها بعد طلوع الشمس، فمن رماها قبل طلوع الشمس كان مخالفاً للسنة، ولزمه إِعادتها. قال: زعم ابن المنذر أنه لا يعلم خلافاً فيمن رماها قبل طلوع الشمس وبعد الفجر أنّه يجزئه، قال: ولو علمتُ أن في ذلك خلافاً لأوجبت على فاعل ذلك الإِعادة. قال: ولم يعلم قول الثوري؛ يعني: أنه لا يجوز رميها قبل طلوع الشمس، وهو قول مجاهد، وإبراهيم النخعي. فمقتضى مذهب ابن المنذر: أنه يجب الإِعادة على من رماها قبل طلوع الشمس، وحديث ابن عباس صريح في توقيتها بطلوع الشمس، وفعِله صلى الله عليه وسلم متفق عليه بين الأمّة.
فهذا فعله وهذا قوله، وحديث أم سلمة قد أنكره الإِمام أحمد وضعفه.
وقال مالك: لم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لأحد في الرمي قبل طلوع الفجر.
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله: "والحديث الذي أشار