الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من قصد الحج ونيّته؛ فإِن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده، بل لا بد من قول أو عمل يصير به محرماً، فإِذا لبّى قاصداً للإِحرام؛ انعقد إِحرامه اتفاقاً (1).
ما يباح للمحرم
(2):
1 -
الاغتسال لغير احتلام، ودلك الرأس.
عن عبد الله بن حنين: أنّ عبد الله بن العباس والمِسْوَرَ بن مَخْرَمَةَ اختلفا بالأبواء، فقال عبد الله بن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، فأرسَلني عبد الله بن العباس إِلى أبي أيوب الأنصاري؛ فوجدته يغتسل بين القرنين؛ وهو يستتر بثوب، فسلّمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله ابن حنين، أرسلني إليك عبد الله بن العباس أسألك: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب؛ فطأطأه حتى بدا لي رأسه؛ ثمّ قال لإِنسان يصُبُّ عليه: اصبُبْ؛ فَصَبَّ على رأسه، ثمّ حرّك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، وقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل" (3).
وفي رواية: "فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبداً"(4).
(1) وهكذا لا تكفي النيّة؛ كما كان يعلمنا شيخنا رحمه الله؛ بل لا بُدّ من العمل، ولا يجزئ عن الإنسان نيّة إِيمانه دون التلفُّظ بالشهادتين والإِيمان بما يجب الإيمان به؛ مع ما يتبعه من العمل.
(2)
من (1 - 6) عن كتاب "حجة النّبيّ صلى الله عليه وسلم" لشيخنا رحمه الله بتصرّف.
(3)
أخرجه البخاري: 1840، ومسلم:1205.
(4)
أخرجه مسلم: 1205.
وعن ابن عباس قال: "ربما قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونحن محُرمون بالجحفة: تعالَ أباقيك أيُّنا أطول نفساً في الماء"(1).
وعن عبد الله بن عمر: أن عاصم بن عمر وعبد الرحمن بن زيد وقعا في البحر يتمالقان (2)؛ يغيِّب أحدهما رأس صاحبه، وعمر ينظر إِليهما، فلم ينكر ذلك عليهما".
2 -
حكّ الرأس والجسد، ولو سقط منه بعض الشعر، وحديث أبي أيوب المتقدّم آنفاً دليل عليه. وعن أمّ علقمة بن أبي علقمة أنها قالت: سمعت عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم تُسأل عن المحرم: أيحك جسده؟ فقالت: نعم؛ فليحكه وليشدُد، ولو رُبِطت يداي، ولم أجد إِلا رجلي لحككت (3).
ولم ير ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم بالحكّ بأساً (4).
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "المجموعة الكبرى"(2/ 368): "وله أن يحك بدنه إِذا حكَّه، وكذلك إِذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك؛ لم يضره".
(1) أخرجه الشافعي وغيره، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وانظر "الإِرواء"(1021).
(2)
أي: يتغاطسان.
(3)
أخرجه مالك، وسنده حسن في الشواهد.
(4)
رواه البخاري معلقاً "كتاب الصيد"(باب الاغتسال للمحرم)، وانظر "الفتح"(4/ 55).
3 -
الاحتجام ولو بحلق الشعر مكان الحجم؛ لحديث ابن بُحينة رضي الله عنه قال: "احتجم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو محرم بـ (لَحْيَيْ جمل) (1) في وسط رأسه"(2).
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "مناسكه"(2/ 338): "وله أن يحك بدنه إِذا حكه، ويحتجم في رأسه وغير رأسه، وإِن احتاج أن يحلق شعر الذّكر جاز؛ فإِنّه قد ثبت في "الصحيح"
…
" ثمّ ساق هذا الحديث، ثمّ قال: ولا يمكن ذلك إِلا مع حلق بعض الشعر، وكذلك إِذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك؛ لم يضره، وإن تيقن أنه انقطع بالغسل".
وهذا مذهب الحنابلة؛ كما في "المغني"(3/ 306)، ولكنه قال:"وعليه الفدية". وبه قال مالك وغيره.
ورده ابن حزم بقوله: (7/ 257) -عقب الحديث-: "لم يخبر عليه السلام أن في ذلك غرامة ولا فدية، ولو وجبت لما أغفل ذلك، وكان عليه السلام كثير الشعر أفرع (3) وإنما نهينا عن حلق الرأس في الإِحرام".
4 -
شم الريحان وطرح الظفر إِذا انكسر.
قال ابن عباس رضي الله عنه: والمحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، ويشم الريحان، وإذا انكسر ظفره طرحه، ويقول: أميطوا عنكم الأذى، فإِن الله عز وجل لا يصنع بأذاكم شيئاً (4).
(1) موضع بصريق مكّة.
(2)
أخرجه البخاري: 1836، ومسلم:1203.
(3)
الأفرع: التام الشعر.
(4)
رواه البيهقي بسند صحيح، وانظر "مختصر البخاري"(1/ 365).
إِلى هذا ذهب ابن حزم (7/ 246). وروى مالك عن محمد بن عبد الله ابن أبي مريم: أنه سأل سعيد بن المسيب عن ظفر له انكسر وهو محرم؟ فقال سعيد: اقطعه.
5 -
الاستظلال بالخيمة أو المظلة (1)(الشمسية) وفي السيارة.
ورفع سقفها من بعض الطوائف تشدد، وتنطع في الدين، لم يأذن به رب العالمين، فقد صحّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بنصْب القُبَّة له بـ (نمرة)، ثمّ نزل بها (2).
وعن أمّ الحصين رضي الله عنها قالت: "حججتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً؛ وأحدهما آخذ بخطام ناقة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، والآخر رافعٌ ثوبَه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة"(3).
6 -
وله أن يشد المنطقة والحزام على إِزاره، وله أن يعقده عند الحاجة، وأن
(1) وأما ما روى البيهقي عن نافع قال: أبصر ابن عمر رضي الله عنه رجلاً على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس، فقال له: ضح لمن أحرمت له.
وفي رواية من طريق أخرى: أنه رأى عبد الله بن أبي ربيعة جعل على وسط راحلته عوداً، وجعل ثوباً يستظل به من الشمس وهو محرم، فلقيه ابن عمر فنهاه!
قال شيخنا رحمه الله: "فلعل ابن عمر رضي الله عنه لم يبلغه حديث أم الحصين المذكور؛ وإلا فما أنكره هو عين ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال البيهقي: "هذا موقوف، وحديث أم الحصين صحيح". يعني: فهو أولى بالأخذ به، وترجم له بقوله:"باب المحرم يستظل بما شاء ما لم يمس رأسه"
…
".
(2)
وسيأتي -إِن شاء الله تعالى-.
(3)
أخرجه مسلم: 1298.
يتختم، وأن يلبس ساعة اليد، ويضع النظارة؛ لعدم النهي عن ذلك، وورود بعض الآثار بجواز شيء من ذلك.
فعن عائشة رضي الله عنها: "أنها سُئلت عن الهِميان (1) للمحرم؟ فقالت: وما بأس؟ ليستوثق من نفقته"(2).
قال عطاء: يتختمّ ويلبس الهِميان" (3).
قال شيخنا رحمه الله: "ولا يخفى أن الساعة والنظارة في معنى الخاتم والمنطقة، مع عدم ورود ما ينهى عنهما، {وما كان ربك نسيًّا} (4){يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولِتُكملوا العِدّةَ ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} (5).
7 -
تبديل الرداء والإِزار.
قال إِبراهيم النَّخعِيُّ: "لا بأس أن يبدل ثيابه"(6).
(1) الهِميان -بكسر الهاء-: معرّب، يشبه تكّة السراويل، يجعل فيها النفقة ويشدّ في الوسط. "فتح"(3/ 397).
(2)
وسنده صحيح.
(3)
رواه البخاري معلقاً في "كتاب الحج""باب الطيب عند الإِحرام"، وانظر "الفتح"(3/ 396).
(4)
مريم: 64.
(5)
البقرة: 185.
(6)
رواه البخاري معلقاً "كتاب الحج"(باب - 23)، وانظر "الفتح"(3/ 405).
8 -
نقض الشعر وتمشيطه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قدمت مكة وأنا حائض، لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انقُضي رأسك وامتشطي"(1).
9 -
لُبس الخُفّين للمحرم إذا لم يجد النعلين، والسراويل لمن لم يجد الإِزار.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: مَن لم يجد النعلين؛ فليلبس الخُفّين، ومن لم يجد إِزاراً؛ فليلبس سراويلَ؛ للمُحرم"(2).
وفي رواية: " .. وإن لم يجد نعلين فليلبس الخفّين، وليقطعْهما حتى يكونا أسفل من الكعبين"(3).
جاء في "مناسك الحج والعمرة"(ص 13): "قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "منسكه": "وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين؛ فإِن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بالقطع أولاً؛ ثمّ رخص بعد ذلك في عرفات في لبس السراويل لمن لم يجد إِزاراً، ورخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين، هذا أصح قولي العلماء".
10 -
قتل القمل.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أنّ رجلاً أتاه فقال: إِني قتلت
(1) أخرجه مسلم: 1211.
(2)
أخرجه البخاري: 1841، ومسلم:1178.
(3)
أخرجه البخاري: 1842، ومسلم:1177.
قملة وأنا محرم؟ فقال ابن عمر رضي الله عنه: أهون قتيل" (1).
وعن ميمون بن مهران قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما وسأله رجل فقال: أخذْتُ قملةً فألقيتها، ثمّ طلبتُها، فلم أجدها، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: تلك ضالة لا تبتغى" (2).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قتل القملة: " .. وما نُهيتُم إِلا عن قتل الصيد"(3).
11 -
قتْل الفواسق الخمس ونحوها.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب كلهنّ فاسق (4) يُقْتَلْن في الحرم: الغراب والحِدَأة (5) والعقرب والفأرة والكلب
(1) أخرجه البيهقي. وقال شيخنا رحمه الله: "وهذا إِسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري". وانظر "الإِرواء"(1034).
(2)
أخرجه الشافعي. وقال شيخنا رحمه الله: "وهذا سند صحيح، وانظر "الإرواء" (1035) ".
(3)
أخرجه البيهقي. وقال شيخنا رحمه الله: "وإسناده جيد". وانظر "الإِرواء"(1035).
(4)
قال الإِمام النووي رحمه الله (8/ 114): "وأمّا تسمية هذه المذكورات فواسق؛ فصحيحة جارية على وفْق اللغة، وأصْل الفسْق في كلام العرب: الخروج، وسمّي الرجل الفاسق لخروجه على أمر الله -تعالى- وطاعته، فسمّيت هذه فواسق لخروجها -بالإِيذاء والإِفساد- عن طريق معظم الدواب. وقيل: لخرجها عن حكم الحيوان في تحريم قتْله في الحرم والإِحرام".
(5)
الحِدَأة: طائر من الجوارح.
العَقور (1) " (2).
وفي لفظ: "الحية"(3).
12 -
دفْع الصائل من الآدمييّن.
يجوز للمحرم أن يدفع عن نفسه أذى الآدمييّن؛ سواءً كان هذا الإِيذاء في العرض أو المال أو النفس.
عن سعيد بن زيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله أو دون دمه، أو دون دينه فهو شهيد"(4).
*13 - ولا بأس من المجادلة بالتي هي أحسن حين الحاجة؛ فإِنّ الجدال المحظور في الحجّ؛ إِنما هو الجدال بالباطل المنهي عنه في غير الحج أيضاً؛ كالفسق المنهي عنه في الحج أيضاً؛ فهو غير الجدال المأمور به في مثل قوله -تعالى-: {ادع إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
(1) العقور والعاقر: الجارح، قال الإِمام النووي رحمه الله: "واختلفوا في المراد به [أي: الكلب العقور]: فقيل: هذا الكلب المعروف خاصة حكاه القاضي عن الأوزاعي وأبي حنيفة والحسن بن صالح وألحقوا به الذئب وحمَل زفر معنى الكلب على الذئب وحده. وقال جمهور العلماء: ليس المراد بالكلب العقور تخصيص هذا الكلب المعروف، بل المراد هو كل عادٍ مفترس غالباً؛ كالسبع والنمر والذئب والفهد نحوها
…
".
(2)
أخرجه البخاري: 1829، ومسلم:1198.
(3)
أخرجه مسلم: 1198.
(4)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3993)، والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(1148) وغيرهما، وانظر "الإِرواء"(708).