الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحُجّوا. فقال رجل: أكُلَّ عام يا رسول الله؟! فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم. ثمّ قال: ذروني ما تركتكم؛ فإِنما هلك من كان قبلكم بكثرة سُؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإِذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنّ الأقرع بن حابس سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! الحج في كل سنة أو مرّةً واحدةً؟ قال: بل مرّة واحدة، فمن زاد [فتطوَّع] فهو تطوُّع"(2).
وجوبه على الَفْورِ:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد الحج فليتعجّل؛ فإِنّه قد يمرض المريض، وتَضِلُّ الضالّة، وتعرضُ الحاجة"(3).
قال شيخ الإِسلام رحمه الله كما في "الاختيارات"(ص 115): "والحج واجب على الفور عند أكثر العلماء".
وسألت شيخنا رحمه الله عمن يقول: لا يجب الحجّ على الفور؛ لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخّر الحج إِلى سنة عشرة، وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه، فلو كان واجباً على الفور؛ لَما أخره- عليه الصلاة والسلام؟
(1) أخرجه البخاري: 7288، ومسلم: 1337 - واللفظ له-.
(2)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(1514)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(2457)، وغيرهما، وانظر "الإِرواء"(980).
(3)
أخرجه أحمد وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(2331)، وانظر "الإِرواء"(990).
فأجاب رحمه الله: "هذا تعليل ظنّي، ومن الظنّ المنهيّ عنه؛ لأنّ أيّ إِنسان لم يحجّ فور وجوب الحجّ عليه؛ يُحتمل أن يكون له عذر غير عُذر آخر مثله، من حيث إِنّه لم يحج فوراً، وهذا أمرٌ لا يناقش فيه الإِنسان، وبخاصة فيما يتعلّق برجل دولة كالرسول- عليه الصلاة والسلام حينما يقال: إِنه لم يحج على الفور لأنّه كان مستطيعاً أن يحج على الفور؛ من أين لهذا المدعي أنه كان مستطيعاً هذا؟! فلا سبيل إِليه إِلا بنص من الرسول عليه الصلاة والسلام يخبر فيه أنه ما حج فوراً؛ لأنّ الحج فوراً ليفرض عين، هذا لا سبيل إِليه إِطلاقاً.
وهذا نحن نقوله فيما لو لم يكن لدينا نصٌّ يوجب علينا الحج فوراً، ولا شكّ أن الاستدلال على فورية الحج الواجب له عدة أدلة؛ فبعضها من الأدلة العامة، كمِثل قوله -تعالى-:{وسارعوا إِلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدَّت للمتقين} ؛ لأنّ المعنى: سارعوا إِلى الأخذ بالأسباب التي تستحقون بها مغفرته، فالأمر بالمسارعة يؤكد الفورية التي نحن نبحث فيها الآن.
ونص صريح هو قوله عليه السلام: "من أراد الحجّ فليتعجّل"، فمع وجود هذين الدليلين وردّ الاحتمال الظنّي؛ لا يصحّ أن يقولوا: إِن الحجّ ليس على الفور؛ لا سيما أنّ الحج عبادة في السَّنَة مرة واحدة.
فحين تكون هناك مسافة زمنية بعيدة بين الإِنسان وبين وقت العبادة؛ فهنا يقع احتمال عارض المرض، وفِقدان المال ونحو ذلك، فحين تعرض مِثل هذه الأعذار لبعد المسافة الزمنية؛ فإِنها أقوى من أن يعرض عُذرٌ في الصلاة المحدّدة