الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِجماعهم حُجّة عند جمهور المسلمين، وبعد زمن مالك وأصحابه ليس إِجماعهم حجة باتفاق المسلمين؛ فكيف بغيرهم من أهل الأمصار.
وأمّا قول القائل: إِنّ هذا يشبه بجنائز اليهود والنصارى! فليس كذلك؛ بل أهل الكتاب عادتهم رفع الأصوات مع الجنائز، وقد شُرط عليهم في شروط أهل الذّمة أن لا يفعلوا ذلك.
ثمّ إنما نهينا عن التشبه بهم فيما ليس هو من طريق سلفنا الأول، وأما إِذا اتبعنا طريق سلفنا الأول كنا مصيبين، وإن شاركنا في بعض ذلك من شاركنا، كما أنهم يشاركوننا في الدفن في الأرض، وفي غير ذلك".
الإِسراع في السير بها:
ويجب الإِسراع في السير بها، سيراً دون الرَّمَلِ، وفي ذلك أحاديث:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أسرِعوا بالجنازة؛ فإِن تكُ صالحة؛ فخير تقدّمونها إِليه، وإن يَكُ سوى ذلك؛ فشرّ تضعونه عن رقابكم"(1).
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا وُضِعَتِ الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم؛ فإِن كانت صالحة قالت: قدّموني، وإن كانت غير صالحة؟ قالت: يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إِلا الإِنسان، ولو سمعه صَعِق"(2).
(1) أخرجه البخاري: 1315، ومسلم: 944، وتقدّم.
(2)
أخرجه البخاري: 1314.
الثالث: عن عبد الرحمن بن جَوْشَنٍ قال: "كنت في جنازة عبد الرحمن بن سَمُرَةَ، فجعل زياد ورجال من مواليه يمشون على أعقابهم أمام السرير، ثمّ يقولون: رويداً رويداً بارك الله فيكم!!
فلحِقهم أبو بكرة في بعض سِكَكِ المدينة، فحمل عليهم بالبَغْلَةِ، وشدّ عليهم بالسّوط، وقال: خلُّوا! والذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم؛ لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنكاد أن نَرْمُلَ بها رَمَلاً" (1).
قال شيخنا رحمه الله: ظاهر الأمر الوجوب [أي: الإِسراع بالجنازة]، وبه قال ابن حزم (5/ 154 - 155)، ولم نجد دليلاً يصرفه إِلى الاستحباب، فوقفنا عنده، وقال ابن القيم في "زاد المعاد":"وأمّا دبيب الناس اليوم خطوة خطوة؛ فبدعة مكروهة، مخالفة للسنّة، ومتضمّنة للتشبّه بأهل الكتاب اليهود"
…
" انتهى.
وجاء في "الروضة الندية"(1/ 430): "والحق: هو القصد في المشي، فالأحاديث المصرحة بمشروعية الإِسراع؛ ليس المراد بها الإِفراطَ في المشي الخارج عن حد الاعتدال، والأحاديث التي فيها الإِرشاد إِلى القصد؛ ليس المراد بها الإِفراطَ في البُطْءِ، فيجمع بين الأحاديث بسلوك طريقة وسطى بين الإِفراط والتفريط؛ يصدق عليها أنه إِسراع بالنسبة إِلى الإِفراط في البطء، وأنها قصد بالنسبة إِلى الإِفراط في الإِسراع، فيكون المشروع دون الخبب، وفوق المشي الذي يفعله من يمشي في غير مهم".
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2725)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(1805) وغيرهما.