الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: يا نبي الله! بل يسبقني إِلى باب الجنة فيفتحها لي، لهو أحبّ إِليّ! قال: فذاك لك" (1).
وعن عمرو بن حزم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مؤمن يُعزّي أخاه بمصيبة؛ إِلا كساه الله عز وجل من حُلل الجنّة"(2).
ماذا يقول عند التعزية
؟
ويُعزّيهم بما يظنُّ أنه يُسلّيهم، ويكفّ من حزنهم، ويحملهم على الرّضا والصبر، ممّا يثبت عنه صلى الله عليه وسلم -إِنْ كان يعلمه ويستحضره- وإلا فبما تيسرّ له من الكلام الحسن الذي يُحقق الغرض ولا يخالف الشرع، وفي ذلك أحاديث:
الأول: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "أرسلت ابنة النّبيّ صلى الله عليه وسلم إِليه: إِنّ ابناً لي قُبض، فأْتِنا، فأرسل يُقرئ السلام ويقول: إِنّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجلٍ مسمًّى (3)، فلتصبر ولتحتسب (4) "(5).
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(1974) وغيره.
(2)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1301)، وغيره، وحسّنه شيخنا رحمه الله في "الإِرواء"(764) -التحقيق الثاني-، وانظر "الصحيحة"(1/ 378) برقم (195).
(3)
أي: معلوم مُقدّر.
(4)
أي: لِتَنْوِ بصبرها طلب الثواب من ربّها؛ ليُحسب ذلك من عملها الصالح. "فتح".
(5)
أخرجه البخاري: 1284، ومسلم:923.
قال شيخنا رحمه الله (ص 207): "وهذه الصِّيغة من التعزية؛ وإنْ وردت فيمن شارف الموت؛ فالتعزية بها فيمن قد مات أولى بدلالة النّصّ، ولهذا قال النوويّ في "الأذكار" وغيره: "وهذا الحديث أحسن ما يعزّى به".
الثاني: عن بُرَيْدَة بن الحُصَيْبِ قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهّد الأنصار
ويعودهم ويسأل عنهم، فبلغه عن امرأة من الأنصار مات ابنها وليس لها غيره، وأنها جزعت عليه جزعاً شديداً، فأتاها النّبيّ صلى الله عليه وسلم[ومعه أصحابه، فلمّا بلغ باب المرأة قيل للمرأة: إِنّ نبيّ الله يريد أنْ يدخل يُعزِّيها.
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إِنّه بلغني أنّك جزعتِ على ابنك؛ فأمرها بتقوى الله وبالصّبر، فقالت: يا رسول الله! [ما لي لا أجزع]؛ وإنّي امرأة رَقُوبٌ لا ألد، ولم يكن لي غيره؟!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرقوب: الذي يبقى ولدها، ثمّ قال: ما من امرئٍ أو امرأةٍ مُسلمةٍ يموت لها ثلاثة أولاد [يحتسبهم]؛ إلَاّ أدخله الله بهم الجنّة. فقال عمر [وهو عن يمين النّبيّ صلى الله عليه وسلم]: بأبي أنت وأُمّي واثنين؟! قال: واثنين" (1).
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم حينما دخل على أمّ سلمة رضي الله عنها عقب موت أبي سلمة: "اللهمّ اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديّين، واخلُفْه في عَقِبه في الغابرين (2)، واغفِر لنا وله يا ربّ العالمين! وافسح له في قبره، ونوِّر له
(1) أخرجه البزار والزيادات منه، والحاكم وقال:"صحيح الإِسناد"، ووافقه الذهبي، وانظر للمزيد من الفوائد الحديثية ما قاله شيخنا رحمه الله في "أحكام الجنائز"(ص 208).
(2)
أي: الباقين.
فيه" (1)
وسألت شيخنا رحمه الله عن تعزية الذّمي إِذا أَمِنَ المعزّي الفتنة؟
فقال: "نعم يجوز، ويضاف إِلى ذلك: أحسن التعزية".
يريد شيخنا: يجوز للمرء أن يعزّي الذمّي إِذا أمِن الفتنة وأحسَن التعزية.
لكن قرأت في "أحكام الجنائز"(ص 169) كلاماً له رحمه الله يقول فيه -بعد حديث: "اذهب فواره"-: ومن الملاحظ في هذا الحديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُعزِّ علياً بوفاة أبيه المشرك، فلعله يصلح دليلاً لعدم شرعية تعزية المسلم بوفاة قريبه الكافر، فهو -من باب أولى- دليلٌ على عدم جواز تعزية الكفار بأمواتهم أصلاً".
ثمّ ذكّرني أخي عمر الصادق -حفظه الله تعالى- بفائدة ذكَرها شيخنا رحمه الله في "صحيح الأدب المفرد"(847/ 1112) وهو تقييده جواز تعزية الكافر بأن لا يكون حربياً عدواً للمسلمين، فقد قال رحمه الله بعد إِيراد أثر عُقبة بن عامر الجُهني رضي الله عنه:"أنّه مرَّ برجل هيئته هيئة مسلم، فسلَّم فردَّ عليه: وعليك ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام: إِنّه نصراني! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال: إِنَّ رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك وولدك"(2).
(1) أخرجه مسلم: 920، وتقدّم بتمامه.
(2)
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد"(1112)، وحسن شيخنا رحمه الله إِسناده في "الإِرواء"(1274).