الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما ينتفع به الميِّت
وينتفع الميت من عَمَل غيره بأمور:
أولاً: دعاء المسلم واستغفاره له، إِذا توفّرت فيه شروط القبول؛ لقول الله تبارك وتعالى:{والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإِخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا ربَّنا إِنّك رؤوف رحيم} (1).
وأما الأحاديث؛ فهي كثيرة جدّاً؛ منها حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة؛ عند رأسه مَلَك مُوكّل؛ كلّما دعا لأخيه بخير؛ قال الملك المُوكّل به: آمين؛ ولك بمثل"(2).
بل إِنّ صلاة الجنازة جلّها شاهد لذلك؛ لأنّ غالبها دعاء للميت، واستغفار له.
ثانياً: قضاء وليّ الميت صومَ النّذر عنه؛ دون صوم رمضان (3)، وفيه أحاديث:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام؛ صام عنه وليُّه"(4).
(1) الحشر: 10.
(2)
أخرجه مسلم: 2732، وغيره.
(3)
انظر "تلخيص أحكام الجنائز"(ص 75).
(4)
أخرجه البخاري: 1952، ومسلم:1147.
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إِلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إِنّ أمّي ماتت وعليها صوم شهر؛ أفأقضيه عنها، قال: نعم؛ فدين الله أحقُّ أن يقضى.
وعنه أيضاً: قالت امرأة: إِنّ أختي ماتت" (1).
3 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً: أنّ سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إِنّ أُمّي ماتت وعليها نَذْر؟ فقال: اقضِه عنها"(2).
قال شيخنا رحمه الله (ص 215): "وهذه الأحاديث صريحة الدلالة في مشروعية صيام الوليّ عن الميت صومَ النذر؛ إِلا أنّ الحديث الأول يدلُّ - بإِطلاقه- على شيء زائد على ذلك، وهو أنه يصوم عنه صوم الفرض أيضاً، وقد قال به الشافعية، وهو مذهب ابن حزم (7/ 2، 8) وغيرهم. وذهب إِلى الأول الحنابلة، بل هو نصُّ الإِمام أحمد، فقال أبو داود في "المسائل" (96): "سمعت أحمد بن حنبل قال: لا يُصام عن الميت إِلا في النذر".
وحمل أتباعه الحديث الأول على صوم النذر، بدليل ما روت عمرة: أنّ أمها ماتت وعليها من رمضان؛ فقالت لعائشة: أقضيه عنها؟ قالت: لا؛ بل تصدّقي عنها -مكان كل يوم- نصف صاع على كل مسكين" (3).
(1) أخرجه البخاري: 1953، ومسلم:1148.
(2)
أخرجه البخاري: 2761، ومسلم:1638.
(3)
أخرجه الطحاوي، وابن حزم -واللفظ له- بإِسناد قال ابن التركماني:"صحيح".
وبدليل ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إِذا مرض الرجل في رمضان، ثمّ مات ولم يصم؛ أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه"(1).
قال شيخنا رحمه الله (ص 215): "وهذا التفصيل الذي ذهبَت إِليه أم المؤمنين، وحَبْر الأمّة ابن عباس رضي الله عنهما وتابعهما إِمام السنّة أحمد ابن حنبل: هو الذي تطمئن إِليه النفس، وينشرح له الصدر، وهو أعدل الأقوال في هذه المسألة وأوسطها، وفيه إِعمال لجميع الأحاديث؛ دون ردٍّ لأيّ واحد منها، مع الفهم الصحيح لها؛ خاصة الحديث الأول منها، فلم تفهم منه أم المؤمنين ذلك الإِطلاق الشامل لصوم رمضان، وهي رَاوِيتُهُ، ومن المقرر أنّ راوي الحديث أدرى بمعنى ما روى، لا سيّما إِذا كان ما فَهِمَ هو الموافق لقواعد الشريعة وأصولها، كما هو الشأن هنا.
وقد بيّن ذلك المُحقق ابن القيم -رحمه الله تعالى- فقال في "إِعلام الموقعين"(3/ 554) -بعد أن ذكر الحديث وصححه-: "فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلاقه، وقالت: يُصام عنه النذر والفرض! وأبت طائفة ذلك، وقالت: لا يُصام عنه نذر ولا فرض! وفصّلت طائفة؛ فقالت: يُصام عنه النذر دون الفرض الأصلي.
وهذا قول ابن عباس وأصحابه، وهو الصحيح؛ لأنّ فرض الصيام جارٍ مجرى الصلاة، فكما لا يُصلي أحد عن أحد، ولا يُسْلِمُ أحد عن أحد، فكذلك
(1) أخرجه أبو داود بسند صحيح على شرط الشيخين، وله طريق آخر بنحوه عند ابن حزم، وصحح إِسناده.
الصيام. وأمّا النذر؛ فهو التزام في الذمة بمنزلة الدَّين، فيُقبل قضاء الوليّ له كما يقضي دَيْنه، وهذا محض الفقه.
وطرد هذا أنه لا يُحَجُّ عنه، ولا يُزَكَّى عنه؛ إِلا إِذا كان معذوراً بالتأخير؛ كما يطعم الوليّ عمّن أفطر في رمضان لعذر.
فأما المُفرّط من غير عذر أصلاً فلا ينفعه أداء غيره لفرائض الله التي فرّط فيها، وكان هو المأمور بها ابتلاءً وامتحاناً دون الوليّ، فلا تنفع توبة أحد عن أحد، ولا إِسلامه عنه، ولا أداء الصلاة عنه؛ ولا غيرها من فرائض الله -تعالى- التي فرّط فيها حتى مات".
قال شيخنا رحمه الله: "وقد زاد ابن القيم رحمه الله هذا البحث توضيحاً وتحقيقاً في "تهذيب السنن" (3/ 279 - 282)، فليراجع؛ فإِنّه مهم.
ثالثاً: قضاء الدّين عنه من أيّ شخص؛ وليّاً كان أو غيره، وفيه أحاديث كثيرة وقد سبق ذِكر الكثير منها.
رابعاً: ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة؛ فإِنّ لوالديه مثلَ أجره، دون أن ينقص من أجره شيء؛ لأن الولد من سعْيهما وكسْبهما، والله عز وجل يقوله:{وأنْ ليس للإِنسان إِلا ما سعى} (1).
وعن عمّة عمارة بن عمير: أنّها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم؛ أفآكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ من أطيب ما أكل
(1) النجم: 39.
الرجل من كسْبه، وولدهُ من كسْبه" (1).
ويؤيد ما دلّت عليه الآية والحديث أحاديثُ خاصة وردت في انتفاع الوالد بعمل ولده الصالح؛ كالصدقة والصيام والعتق ونحوه، وهي هذه:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها: "أنّ رجلاً قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: إِنّ أميّ افتُلِتَت نفسها (2)، وأراها لو تكلّمت تصدّقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، تصدّق عنها"(3).
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ سعد بن عبادة رضي الله عنه أخا بني ساعدة -تُوفِّيت أُمه وهو غائب، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3013)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(4144)، والترمذي، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1738).
(2)
جاء في "النهاية": "أي: ماتت فجأة وأُخذت نفسها فلتة، يُقال: افتلته: إِذا استلبه، وافتُلِتَ فلان بكذا: إِذا فُوجئ به قبل أن يستعدّ له.
ويروى بنصب النفس ورفعها: فمعنى النصب: افتَلَتَها الله نفسها، مُعدّى إِلى مفعولين، كما تقول: اختَلَسَه الشيء واستلبه إِيّاه، ثمّ بنى الفعل لما لم يُسمّ فاعله، فتحوّل المفعول الأوّل مضمراً وبقي الثاني منصوباً، وتكون التاء الأخيرة ضمير الأمّ؛ أي: افتلتت هي نفسها.
وأمّا الرّفع؛ فيكون مُتعدياً إِلى مفعول واحد، أقامه مقام الفاعل، وتكون التاء للنفس؛ أي: أُخذت نفسها فلتة".
قال القاضي: أكثر روايتنا فيه بالنصب. قاله النووي رحمه الله.
(3)
أخرجه البخاري: 2760، 1388، ومسلم:1004.
إِنّ أمي توفِّيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إِن تصدَّقت به عنها؟ قال: نعم. قال: إِني أُشهِدك أنّ حائطى المِخْرَافَ (1) صدقة عليها" (2).
الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنّ رجلاً قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: إِنّ أبي مات وترك مالاً ولم يُوصِ، فهل يُكفّر عنه أن أتصدّق عنه؟ قال: نعم"(3).
الرابع: عن عبد الله بن عمرو: "أنّ العاص بن وائل السَّهْمِي أوصى أن يُعتق عنه مائة رقبة، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة، فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية.
قال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إِنّ أبي أوصى بعتق مئة رقبة، وإنّ هشاماً أعتق عنه خمسين، وبقيت عليه خمسون، أفأعتق عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنه لو كان مسلماً فأعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه، أو حججتم عنه؛ بلغه ذلك (وفي رواية: فلو كان أقرّ بالتوحيد فصمت وتصدّقت عنه؛ نفعه ذلك) " (4).
قال شيخنا رحمه الله (ص 219): "قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (4/ 79): "وأحاديث الباب تدّل على أنّ الصدقة من الولد تلحق الوالدين
(1) أي: المثمر. قاله الكرماني (12/ 77). سمي بذلك لما يُخْرَفُ منه؛ أي: يجنى من الثمرة. قاله القسطلاني، كما في "عون المعبود"(8/ 63).
(2)
أخرجه البخاري: 2762.
(3)
أخرجه مسلم: 1630.
(4)
أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(2507)، والبيهقي -والسياق له- وأحمد، -والرواية الأخرى له-، وإسنادهم حسن.
بعد موتهما بدون وصيّة منهما، ويصل إِليهما ثوابها، فيخصّص بهذه الأحاديثِ عمومُ قوله -تعالى-:{وأنْ ليس للإِنسان إِلا ما سعى} ، ولكن ليس في أحاديث الباب إِلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أنّ ولد الإِنسان من سعيه، فلا حاجة إِلى دعوى التّخصيص، وأمّا من غير الولد؛ فالظاهر من العموميّات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إِلى الميت، فيوقف عليها، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها".
قلت أي: شيخنا رحمه الله: "وهذا هو الحق الذي تقضيه القواعد العلمية: أنّ الآية على عمومها، وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إِلى الوالد؛ لأنّه من سعيه؛ بخلاف غير الولد".
وقال رحمه الله (ص 222): "وإذا كان من المسلَّم به عند أهل العلم: أنّ لكلّ عقيدة أو رأي يتبناه أحد في هذه الحياة أثراً في سلوكه -إِن خيراً فخير؛ وإن شرّاً فشّر-؛ فإِن من المُسَلّم به أيضاً: أنّ الأثر يدلُّ على المُؤثّر، وأنّ أحدهما مرتبط بالآخر -خيراً أو شراً كما ذكرنا-، وعلى هذا؛ فلسنا نشكُّ أنّ لهذا القول أثراً سيئاً في من يحمله أو يتبناه، من ذلك مثلاً: أنّ صاحبه يتّكل في تحصيل الثواب والدرجات العاليات على غيره؛ لعلمه أنّ الناس يُهدون الحسنات مئات المرّات في اليوم الواحد إِلى جميع المسلمين: الأحياء منهم والأموات، وهو واحد منهم، فلماذا لا يستغني حينئذ بعمل غيره عن سعيه وكسْبه؟!
ألست ترى -مثلاً- أنّ بعض المشايخ الذين يعيشون على كسْب تلامذتهم لا يَسْعَوْن بأنفسهم ليَحْصُلوا على قوت يومهم بعرق جبينهم وكَدِّ يمينهم؟!
وما السبب في ذلك؛ إِلا أنهم استغنوا عن ذلك بكسب غيرهم، فاعتمدوا عليه وتركوا العمل!! هذا أمر مشاهد في المادِّيّات، معقول في المعنويات، كما هو الشأن في هذه المسألة.
وليت أنّ ذلك وقف عندها ولم يتعدّها إِلى ما هو أخطر منها، فهناك قول بجواز الحجّ عن الغير؛ ولو كان غير معذور؛ كأكثر الأغنياء التاركين للواجبات! فهذا القول يحملهم على التساهل في الحجّ والتقاعس عنه؛ لأنّه يتعلّل به ويقول في باطنه: يحجّون عنّي بعد موتي!
بل إِنّ ثمّة ما هو أضرُّ من ذلك، وهو قول بوجوب إِسقاط الصلاة عن الميت التارك لها! فإِنّه من العوامل الكبيرة على ترك بعض المسلمين للصلاة؛ لأنّه يتعلل أيضاً بأنّ النّاس يُسقطونها عنه بعد وفاته! إِلى غير ذلك من الأقوال التي لا يخفى سوء أثرها على المجتمع! فمن الواجب على العالم الذي يُريد الإِصلاح: أن ينبذ هذه الأقوال؛ لمُخالفتها نصوص الشريعة ومقاصدها الحسنة.
وقابِل أثر هذه الأقوال بأثر قول الواقفين عند النّصوص -لا يخرجون عنها بتأويل أو قياس-: تجد - الفرق كالشمس؛ فإِنّ من لم يأخذ بمثل الأقوال المشار إِليها؛ لا يُعقل أن يتّكل على غيره في العمل والثواب؛ لأنه يرى أنه لا يُنجّيه إِلا عمله، ولا ثواب له إِلا ما سعى إِليه هو بنفسه، بل المفروض فيه أن يسعى - ما أمكنه- إِلى أنْ يُخلِّف من بعده أثراً حسناً يأتيه أجره، وهو وحيد في قبره، بدل تلك الحسنات الموهومة، وهذا من الأسباب الكثيرة في تقدّم السلف وتأخُّرنا، ونَصْر الله إِيّاهم وخِذْلانه إِيّانا، نسأل الله -تعالى- أن يهدينا كما هداهم، وينصرنا كما نصرهم (1)!
(1) أيُّ سبيلٍ لهدم الإِرجاء كهذا؟! فَرحم الله شيخنا رحمة واسعة على نشْرِهِ =
خامساً: ما خلّفه من بعده من آثارٍ صالحة وصدقات جارية، لقوله تبارك وتعالى:{ونكتب ما قدّموا وآثارَهم} ، وفيه أحاديث:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا مات الإِنسان؛ انقطع عنه عمله إِلا من ثلاثة: إِلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له"(1).
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ ممّا يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومُصْحفاً ورّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته؛ يلحقه من بعد موته"(2).
3 -
عن جرير بن عبد الله قال: "كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، قال: فجاءه قوم حُفاةً عُراةً مُجتابي (3) النِّمار (4) أو العباء (5) مُتقلِّدي السيوف،
= عقيدة أهل السّنّة والجماعة.
(1)
أخرجه مسلم: 1631.
(2)
أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(198) وغيره.
(3)
مجتابي النمار؛ أي: خرقوا وسطها. قاله النووي رحمه الله.
(4)
النمار -بكسر النون-: جمع نَمِرة؛ وهي ثياب صوف فيها تنمير. قاله النووي أيضاً.
جاء في "النهاية": "كلّ شَمْلةٍ مخطّطة من مآزر الأعراب؛ فهي نَمِرة، وجمعها نمار؛ كأنها أُخذت من لون النّمِر؛ لما فيها من السواد والبياض، وهي من الصفات الغالبة، أراد أنه جاءه قوم لابسي أُزر مُخطّطة من صوف".
(5)
العباء: جمع عباءَة.
عامَّتهم من مُضَرَ -بل كلّهم من مضر- فتمعّر (1) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثمّ خرج؛ فأمر بلالاً؛ فأذّن وأقام فصلّى؛ ثمّ خطب فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة
…
} إِلى آخر الآية: {إِنّ الله كان عليكم رقيباً} ، والآية التي في الحشر:{اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغدٍ واتقوا الله} ؛ تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّهِ، من صاع تمره (حتى قال)، ولو بشقِّ تمرة.
قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرّة كادت كفّه تَعْجِزُ عنها، بل قد عَجَزت.
قال: ثمّ تتابع الناس، حتى رأيت كومين عن طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل (2)؛ كأنّه مُذْهَبَة (3)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سنّ في الإِسلام سُنّة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها بعده؛ من غير أن ينقص من أُجورهم شيء.
ومن سنّ في الإِسلام سنّة سيئةً؛ كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده؛ من غير أن ينقُص من أوزارهم شيء" (4).
(1) تمعّر؛ أي: تغيّر.
(2)
يتهلّل؛ أي: يستنير فرحاً وسروراً.
(3)
مُذَهَبَة: من الشيء المذهب، وهو المُمَوَّه بالذهب، أو مِن قولهم: فرس مُذهَب: إِذا عَلَت حُمرتَه صَفرةٌ. "النهاية".
(4)
أخرجه مسلم: 1017.