الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانته العلمية وأقوال الناس فيه
لقد منّ الله على الحافظ الجوال أبى عبد الله بن منده بالاطلاع الواسع على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفة أحوال الرجال وتاريخهم.
وكذلك منّ الله عليه بفهم كتابه ومعرفة قراءاته وتفسيره.
ومنّ الله عليه كذلك بالتدين العميق والاعتقاد الحسن ومجانبة البدع وبغض المبتدعين وعدم مجاملتهم.
مما جعل العلماء يعجبون به منذ ريعان شبابه فقدموه وأكرموه.
قال قوام السنة أبو الفضل الأصبهانى: فضائل هذا الإِمام كثيرة، كان مقدم أهل عصره فى الحفظ والديانة ونصرة السنة وإماتة البدعة، طاف الدنيا فى طلب الحديث.
عرفت منزلته فى العلم فى شبيبته. كتب إليه أبو أحمد العسال
(1)
وهو بنيسابور
(2)
يسأله عن حديث أشكل عليه. فأجابه عن ذلك وبينه له
(3)
.
وقد أثنى عليه عامة العلماء ووصفه بعضهم بإمام الأئمة فى الحديث، فمن الذين أثنوا عليه: أحمد بن جعفر الحافظ يقول: كتبت عن أزيد من ألف شيخ ما فيهم أحفظ من ابن منده
(4)
.
وقال جعفر بن محمد المستغفرى: ما رأيت أحداً أحفظ من أبى عبد الله
(1)
قال الذهبى: العسال إمام دهره. (التذكرة 1034/ 3).
(2)
عرفنا أن ابن منده لم يزل شاباً حين كان فى نيسابور.
(3)
سير السلفخ. ق/ 85.
(4)
تذكرة الحفاظ 1034/ 3.
ابن منده، سألته يوماً: كم تكون ساعات الشيخ؟ فقال: تكون خمسة آلاف مَنّ.
قال الذهبى: يكون المنّ نحوا من مجلدين أو مجلداً كبيراً
(1)
.
وقال أبو إسحاق بن حمزة: ما رأيت مثل أبى عبد الله محمد بن إسحاق
(2)
.
وقال شيخ هراة أبوإسماعيل الأنصارى: أبوعبدالله بن منده سيد أهل زمانه
(3)
.
وقال الباطرقانى: حدثنا أبو عبد الله بن منده إمام الأئمة فى الحديث لقاه الله رضوانه
(4)
.
وقال الذهبى: وكان ختام الرحالين، وفرد المكثرين مع الحفظ والمعرفة والصدق وكثرة التصانيف
(5)
.
وقال ابن الجزرى: هو الحافظ الكبير الجوّال صاحب التصانيف إمام كبير جال الأقطار وانتهى إليه علم الحديث بالأمصار
(6)
.
وقال عمر السمسار: جرى ذكر أبى عبد الله بن منده عند أبى نعيم فقال: كان جبلاً من الجبال
(7)
. يقول الذهبى: فهذا يقوله أبونعيم مع الوحشة الشديدة بينهما
(8)
.
(1)
سير أعلام النبلاء 35/ 17.
(2)
سير السلف خ. ق/ 85.
(3)
تذكرة الحفاظ 1034/ 3.
(4)
سير أعلام النبلاء 32/ 17، تاريخ الإسلام 99/ 4.
(5)
تذكرة الحفاظ 1032/ 3.
(6)
طبقات القراء 98/ 2.
(7)
سير السلف خ. ق/ 85.
(8)
سير أعلام النبلاء 32/ 17.
قال الذهبى: أخبرنا أبوالحسن على بن محمد، أخبرنا عبد العظيم الحافظ، أخبرنا على بن المفضل، أخبرنا السلفى، أخبرنا طاهر المقدسى، سمعت سعد بن على الحافظ بمكة. وسئل عن الدارقطنى وابن منده والحاكم وعبدالغنى.
فقال: أما الدارقطنى فأعلمهم بالعلل.
وأما ابن منده فأكثرهم حديثاً مع المعرفة التامة.
وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفا.
وأما عبد الغنى فأعرفهم بالأنساب
(1)
.
وكذا رواه ابن عساكر فى تاريخ دمشق عن أبى الحسين عبد الله بن الحسين عن السلفى بهذا
(2)
.
وهذا قوام السنة أبوالفضل إسماعيل بن محمد الأصبهانى والذى يقول فيه عبد الجليل الأصبهانى يقول أئمة بغداد ما رحل إلى بغداد بعد الإمام أحمد أحفظ وأفضل من الإِمام إسماعيل. ا. هـ.
نجده يؤلف كتاباً فى سير السلف ذكر فيه السلف ولم يذكر من المتأخرين إلا ثلاثة وهم: الحافظ أبوعبدالله بن منده
(3)
، والحافظ أبومنصور الأصبهانى، وو والد إسماعيل محمد بن الفضل.
وبجانب هؤلاء الذين أثنوا عليه نجد من العلماء من جرحه وطعن فيه. وهذا الشئ طبيعى فلا أحد يسلم فإن سلم من العيوب لم يسلم ممن ينتقده ويجوحه ويتهمه بأمور هو برئ منها وهذه طبيعة البشر.
(1)
سير أعلام النبلاء 32/ 17.
(2)
تاريخ دمشق خ. ق/ 424.
(3)
مقدمة الحجة فى بيان المحجة ص 41، 42 - رسالة دكتوراه -.
ولكن علينا أن نستعرض أقوال الطاعنين فيه ونبينها، فإن كان هذا القول صحيحاً ومؤيدا من العلماء قبلناه وإن لم يكن صحيحاً رددناه على صاحبه:
أولاً: يقول ابن عساكر: أنبا أبوعبدالله الفراوى وغيره عن أبى بكر البيهقى، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو الحسن الدارقطنى، وذكر ابن منده فقال: كان بمصر فى كتاب شيخ يعنى حديثاً لمحمد بن عبيد بن حساب عن سفيان بن موسى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: «الشفاعة لمن مات بالمدينة»
(1)
. فكتب (أى ابن منده) على حاشيته: إنما هو عن سفيان عن موسى بن عقبة وأيوب وسفيان بن موسى عن أيوب خطأ.
ثم قال ابن عساكر: عند الدارقطنى هذا من أوهام ابن منده. وهذا من أيسر أوهامه، فإن له فى معرفة الصحابة أوهاماً كثيرة.
ثم قال: وقد أخبرنا بالحديث على الصواب أبوالقاسم زاهر بن طاهر، أنا أبوبكر البيهقى، أنا أبو نصر بن قتادة، أنا أبو عمر بن مطر، نا أحمد بن الحسين بن نصر الحذاء أنا الصلت بن مسعود، نا سفيان بن موسى وكان ثقة، أنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر وذكر الحديث
(2)
.
قلت: يقول الذهبى فى ترجمة ابن منده: إذا روى الحديث وسكت أجاد، وإذا بوّب أو تكلم من عنده، انحرف، وحرفش، بلى ذنبه وذنب أبى نعيم أنهما يرويان الأحاديث الساقطة والموضوعة، ولا يهتكانها، فنسأل الله العفو. ا. هـ
(3)
.
(1)
حديث الشفاعة لمن مات بالمدينة. رواه الترمذى فى المناقب باب: (68) فضل المدينة. ح (3914) 719/ 5 من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن أيوب وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث أيوب السجستانى.
(2)
تاريخ دمشق خ. ق/ 424، 425 وانظر: لسان الميزان 71/ 5 - 72.
(3)
سير أعلام النبلاء 41/ 17.
قلت: حرفش: خلّط. والهتك: خرق الستر عما وراءه. والهتيكة:
الفضيحة
(1)
.
ثانياً: قال أبو نعيم فى «تاريخ أصبهان» : ابن منده حافظ من أولاد المحدثين، اختلط فى آخر عمره، فحدّث عن ابن أسيد، وابن أخى أبى زرعة الرازى، وابن الجارود بعد أن سمع منه أنّ له عنهم إجازة، وتخبّط فى أماليه، ونسب إلى جماعة أقوالاً فى المعتقدات لم يعرفوا بها، نسأل الله الستر والصّيانة. ا. هـ
(2)
.
وهذا قول غير صحيح فإنه بخلاف ما وصفه الأئمة بأنه سيد زمانه وإمام الأئمة، مقدم عصره، وما رأيت مثله. فرد المكثرين. ختام الرحالين. وغيرها.
وعلى كل حال فإن كلام أبى نعيم فى ابن منده خصوصاً لا يقبل لما وقع بينهما من الشجار فى أمر من أمور العقيدة. وهى: (مسألة التلفظ بالقرآن).
قال شيخ الإِسلام أبوالعباس ابن تيمية: ووقع بين ابن منده وأبى نعيم بسبب ذلك مشاجرة، حتى صنف أبو نعيم كتابه فى «الرد على الحروفية والحلولية» ، وصنف أبوعبدالله كتابه فى الرد على «اللفظية»
(3)
.
يقول شمس الدين الذهبى راداً على أبى نعيم فى طعنه فى ابن منده: لا نعبأ بقولك فى خصمك، فلقد رأيت لابن منده حطّا مقذعاً على أبى نعيم وتبديعا، وما لا أحب ذكره، وكل منهما فصدوق فى نفسه غير متهم فى نقله بحمد الله
(4)
.
ونقل الصفدى أن الشيخ شمس الدين قال: لو سمعنا كلام الأقران بعضهم فى بعض لا تسع الخرق.
(1)
لسان العرب المحيط 768/ 3.
(2)
ذكر أخبار أصبهان 306/ 2.
(3)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 209/ 12.
(4)
سير أعلام النبلاء 34/ 17.