الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حياته العلمية
أولاً: طلبه للعلم:
سبق أن قلنا أن ابن منده أول طلبه للعلم كان ببلده أصبهان، ولا شك أن كل عالم يكون أول طلبه فى موطنه الذى تربى فيه، وقد كانت أصبهان قبلة للعلماء فهى كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلها حيث قال:«لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء»
(1)
.
وفى رواية: «لو كان العلم بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس»
(2)
.
ويروى عن التابعى الورع الزاهد سعيد بن المسيب أنه قال: لو لم أكن رجلاً من قريش لأحببت أن أكون من أهل فارس أو من أهل أصبهان
(3)
.
ولقد كان ابن منده من هؤلاء الرجال الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بأنهم يأخذون الايمان والعلم ولو كان مناطاً بالثريا. وذلك كناية عن الشغف الشديد بحب الخير والعلم النافع والتمسك بالسنة.
ولقد كان ابن منده مثال العالم الفارسى المؤمن فهو الصابر الدؤوب الجاد فى تحصيل العلم والإيمان والذى سار إلى سائر الأقطار فى اقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وجمع أقواله وأفعاله ورتبها. فطاف المشرق والمغرب مرتين فقد خرج من بلده أصبهان شاباً وعمره آنذاك لم يتجاوز العشرين ودام فى الرحلة أربعين سنة، وما رجع إلى بلده إلا بعد الستين من عمره حتى استقر ببلده وتزوج بعد هذا العمر الطويل من الكفاح
(1)
رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة - فضائل الصحابة - باب: فضل فارس. ح (230) و (231) 4/ 1972.
(2)
تاريخ أصبهان 4/ 1 وفى إسناده شهر بن حوشب.
(3)
المصدر السابق 39/ 1.
وتلقى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث رحل إلى نيسابور والعراق ودمشق وبيروت وغزه وبيت المقدس وقيساريه ومصر ومكة والمدينة وغيرها، وكلما حط ببلد سأل عن علمائها فأخذ عنهم العلم وسمع منهم الكثير مع المعرفة والدراية التامة بما يسمع، فما رجع إلى بلده إلا ومعه أربعون حملاً من الكتب
(1)
.
وبعد مرجعه إلى بلده جلس للتدريس والإِملاء فاجتمع إليه طلاب العلم والإيمان من كل مكان للسماع منه.
ولم يكن ابن منده محدثاً فقط فإلى جانب اهتمامه بالحديث وعلومه فلقد كان مهتماً بالتفسير
(2)
والقرأت، أخذ القرأة عن جمع من العلماء بمصر، وأخذ عنه القرأة ابنه إسحاق وأحمد بن الفضل الباطرقانى
(3)
.
وفوق ذلك كله كان جل اهتمامه اتباع السنة، فكان غيوراً على أهل البدع مجانباً لهم يقول عن نفسه: طفت الشرق والغرب مرتين فلم أتقرب إلى كل مذبذب. ولم أسمع من المبتدعين حديثاً واحداً
(4)
.
وألف الكتب فى الرد على البدع ككتاب الرد على اللفظية وكتاب الرد على الجهمية وكتاب فى النفس والروح وغيرها، كما ألف كتباً فى تقرير العقيدة الصحيحة ككتاب التوحيد - الذى بين أيدينا - والإِيمان وغيرها. وسنتناول هذه الكتب فى دراسة مؤلفاته وآثاره إن شاء الله.
وكما أنه كان محدثاً ومفسراً ومقرئا ومدافعاً عن السنة كذلك كان مؤرخا وألف فى ذلك كتباً ككتاب «التاريخ» وهو كبير جداً و «كتاب معرفة الصحابة» و «كتاب الكنى» وأشياء كثيرة
(5)
.
(1)
طبقات القراء 98/ 2.
(2)
كتاب الإِيمان، لابن منده 677/ 2.
(3)
طبقات القراء 98/ 2، 99.
(4)
طبقات الحنابلة 167/ 2.
(5)
سير أعلام النبلاء 36/ 17.