الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر معرفة صفات الله عز وجل
الذى وصف بها نفسه وأنزل بها كتابه وأخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الوصف لربّه عز وجل مُبَيَنا ذلك لأمته نقول وبالله التوفيق:
إن الأخبار فى صفات الله عز وجل جأت متواترة عن نبى الله صلى الله عليه وسلم مُوافِقَةً لكتاب الله عز وجل، نَقَلَها الخلف عن السلف قَرْناً بعد قَرْن من لدُنِ الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا، على سبيل إثبات الصفات لله عز وجل والمعرفة والإيمان به والتسليم لما أخبر الله عز وجل به فى تنزيله وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابه، مع اجتناب التأويل
(1)
والجُحُود وترك التمثيل والتكييف، وأنه عز وجل أزلى
(2)
بصفاته التى وصف بها
(1)
التأويل على نوعين: تأويل موافق للكتاب والسنة، وتأويل مخالف لهما. فالتأويل فى اصطلاح المتأخرين هو: صرف الكلام عن ظاهره.
وعلى هذا كل تأويل قد دل عليه دليل من السياق أو كانت معه قرينة تقتضيه فهو تأويل صحيح وهو بمعنى التفسير.
وأما التأويل الذى ليس معه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه، فهو باطل ومخالف للسنة وهو بمعنى التحريف.
ولو أنزل الله فى كتابه لفظاً يخالف ظاهره لحفّ بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره، حتى لا يوقع السامع فى اللبس والخطأ، فإن الله أنزل كلامه بياناً وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره، ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الذى يتبادر غيره إلى فهم كل أحد، لم يكن بياناً ولا هدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم لا إنشاء. (شرح العقيدة الطحاوية - المكتب الإسلامى ط 1 ص: 215، 232).
(2)
الاْزل: بالتحريك القدم. قال أبو منصور: ومنه قولهم هذا شئ أزلى أى: قديم، وذكر بعض أهل العلم، أن أصل هذه الكلمة قولهم للقديم: لم يزل، ثم نسب إلى هذا فلم يستقم إلا بالاختصار، فقالوا: يزلى. ثم أبلدت الياء ألفاً لأنها أخف. فقالوا: أزلى كما قالوا فى الرمح المنسوب إلى ذى يزن: أزنى ونصل أثربى.
نفسه ووصفه الرسول صلى الله عليه وسلم غير زائلةٍ عنه ولا كائنةٍ دونه فمن جحد صِفة من صفاته بعد الثبوت كان بذلك جاحِدا.
ومن زعم أنها مُحْدَثة لم تكن ثم كانت على أىِّ معنى تأوّله دخل فى حُكم التشبيه. والصفات التى هى مُحْدَثة فى المخلوق زائلَةٌ بفَنَائه غير باقية، وذلك أن تعالى امتدح نفسه بصفاته تعالى ودعا عبادَه إلى مدحِه بذلك وصَدَّق به المصطفى صلى الله عليه وسلم وبَيَّن مُراد الله عز وجل فيما أَظْهر لعباده من ذكْرِنفسه وأسمائه وصفاته (وكان ذلك مفهوماً عند العرب غير محتاج إلى تأويلها)
(1)
.
فقال عز وجل: {
…
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ .. }.
(2)
.
(1 - 415) وقال النبى صلى الله عليه وسلم.: قال الله تعالى وتقدّس: إنى حَرّمتُ الطلم على نفسى
(3)
.
(2 - 416) وقال النبى صلى الله عليه وسلم بياناً لقوله: إن الله عز وجل كَتَبَ كتَاباً على نفسه فهو عِنْدَه: إن رحمتى تَغْلِبُ غضبى
(4)
.
فبَيَّنُ مُرادَ الله عز وجل فيما أخبر عن نفسه عز وجل وبيّن أن نفسه قديم غير فان بفناء الخلق، وأن ذاته لا يوصف إلا بما وصف تبارك وتعالى. ووصفه النبى صلى الله عليه وسلم لأن المُجاوِزَ وَصْفَها يوجِبُ المُمَاثلة، والتمثيل والتشبيه لا يكون إلا بالتحقيق ولا يكون باتفاق الأسماء وإنما وافق اسمُ لنفس اسم نفس الإنسان الذى سمّا 5 الله عز وجل نَفْسَا مَنْفُوسة وكذلك سائرُ الأسماء التى سَمَّا بها خَلْقه إنما هى مُستَعَارةٌ لخَلْقِه منَحَها
(1)
ما بين القوسين معلق فى الحاشية.
(2)
سورة الأنعام، آية:54.
(3)
تخريجه: رواه أحمد (160/ 5). ومسلم (2577) والبيهقى (92/ 6).
(4)
تخريجه: رواه أحمد بنحوه (258/ 2، 313، 358). والبخارى (553). ومسلم (2751).
عِبَادَهُ للمعرفة
(1)
.
فمن الصفات التى وصف بها نفسه ومَنَحَ خَلْقه الكلام، فالله عز وجل يتَكَلُّمُ كلاماً أزليّاً غير مُعَلَّم ولا مُنْقَطع فيه يخلق الأشياء وبكلامه دلّ على صفاته التى لايسْتَدْرَك كيفيّتها مخلوق ولا يبلُغُها وصُفَ واصِف، والعبد متكلم بكلام مُحْدَث مُعَلِّم مُخْتَلِفٍ فَانٍ بفنائه.
ووصف وجهه فقال: {
…
كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ .. }.
(2)
الآية. فاخبر عن فناء وجوه المخلوق وبقاء وجهه.
ووصف نفسه بالسّمع والبصر. فقال: {
…
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
(3)
فأخبر أنه سميع من كل الجهات لكل الأصوات بصير بكل الأشياء من كل الجهات لم يزل يسْمعُ ويبصِر ولا يزال كذلك. ووصف عباده بالسمع والبصر المُحْدَث المخلوق الفانى بفنائه التى تَكَلُّ وتَعْجِزُ عن جميع حقيقة المسمُوع والمُبْصَر.
ووصف نَفْسَه بالعِلْم والقُدْرَة والرحمة ومَنَحَها عباده للمعرفة عند الوجود فيهم والنّكِرة عند وجود المُضادّ فيهم فجعل ضِدَّ العِلْم فى خلقِه الجهل وضِدَّ القُدرة العَجز. وضِدَّ الرَّحمة القَسوة فهى موجودة فى الخلق غيرُ جَائِزَة على الخالق فوافقت الأسماء وباينت المعانى من كلّ الجهات.
ووصف الله عز وجل نفسه بالعلم وأنه يعلم كل شئ من كل الجهات لم يزل ولا يزال موصوقاً بالعلم غير مُعَلَّم باقٍ غيرَ فان.
(1)
ذكر كلام ابن منده (من أول الباب إلى هنا) قوام السنة الأصبهانى فى كتابه الحجة فى بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة ص 87، 88، 89.
(2)
سورة القصص، آية:88.
(3)
سورة الشورى، آية:11.
والعبد مُضطَرٌّ إلى أن يتَعَلَّم ما لم يعْلم/ثم ينْسَى، ثم يموت ويذهب علمه.
والله موصوف بالعلم بجميع الأشياء من كُلِّ الجهات دائماً باقيا.
ففيما ذكرنا دّليلٌ على جميع الأسماء والصفات التى لم نَذْكُرّ وإنما ينفى التمثيل والتشبيه البَتَّة. والعلم بُمَبايَنَةِ الصفات والمعانى.
والفرق بين الخالق والمخلوق فى جميع الأشياء فيما يؤَدِّى إلى التمثيل والتشبيه عند أهل الجهل والزيغ
(1)
ووجوب الإِيمان بالله عز وجل بأسمائه وصفاته التى وَصَفَ بها نفسه وأخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم. وأن أسامى الخَلْقَ وصفاتهم وافَقْتَهَا فى الإِسم وبايَنَاتْهَا فى جميعِا لمَعَانى لحُدُوْثِ خَلْقِه وفنائهم وأَزَلِيَّة الخالق وبقائه وبما أظهر من صفاته ومَنَعَ اسْتدْرَاك كفيتها. فقال عز وجل: {
…
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)}
(2)
.
وإنما صَدَّرْنا بهذا الفصل لئلا يتعلّق الضّالون عن الهداية الزائغون فى كتاب الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بالظاهر فتأَوّلوا الصّفات والأسماء التى فى كتابه ونَقلَها الخَلَفُ الصّادقةُ عن السّلفِ الطاهرة عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم الذى نَقَلُوا دينَ الله تعالى وأحكامه وبَلّغوا جميع أوامر الله التى أُمُروا بإبلاغِها من الصّفاتِ وغيرها من أمور الدين واجتنبوا وعيد الله عز وجل فى كتابه فقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى .. } .
(3)
الآية. فبلَّغوا كما أَمَرَهم الله عز وجل لم يأخُذْهم فى الله عز وجل لومَة لائم خَلفاً عن سَلَف جعلنا الله تعالى ممن يتَّبِعهُم بإحسانٍ إنّه ولىُّ ذلك برحْمَتهِ.
(1)
الزيغ: أى الميل عن الإيمان. يقال: زاغ عن الطريق إذا عدل عنه. (النهاية 324/ 2).
(2)
سورة الشورى، آية:11.
(3)
سورة البقرة، آية:159. وتمامها: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ (159).