الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلا المجدّع وسعد المفتدى
…
سأل ربّ العرش منهم أسدا
والحزن يحرقها، والشيطان ينطقها، ثمّ إنّ الله هداها إلى الإسلام، وعبادة الله، وترك الأصنام، أخذ بحجزتها عن سوء النار، ودلّها على دار السلام، فصلحت حالها، وتبدّلت أقوالها، حتّى قالت له صلى الله عليه وسلم: والله يا رسول الله؛ ما كان على أهل الأرض أهل خباء أحبّ إليّ أن يذلوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم أهل خباء أحبّ إليّ أن يعزّوا من أهل خبائك، فالحمد لله الذي هدانا برسوله أجمعين) .
استشهاد عبد الله بن جحش كما سأل ربه:
(كلا المجدّع) بصيغة اسم المفعول في الأصل:
المقطوع الأذن، أو الأنف، أو هما، أو اليد، أو الشفة، والمراد به هنا: سيدنا عبد الله بن جحش «1» ؛ فإنّه قطع في هذا
(1) ابن رياب- براء وتحتانية وآخره موحدة- ابن يعمر الأسدي، حليف بني عبد شمس أحد السابقين، قال ابن إسحاق: هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرا. روى البغوي من طريق إبراهيم بن سعد عن مسلم بن محمّد الأنصاري، عن رجل من قومه قال:(آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت) ومن طريق زياد بن علاقة عن سعد بن أبي وقاص، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية قال: «لأبعثنّ عليكم رجلا أصبركم على الجوع والعطش» فبعث علينا عبد الله بن جحش، فكان أوّل أمير في الإسلام. قال الزّبير: كان يقال له المجدع في الله، وكان سيفه قد انقطع يوم أحد، فأعطاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرجونا، فصار في يده سيفا، فكان يسمّى ذا العرجون قال: وقد بقي هذا السيف حتى بيع من بغا التركي بمئتي دينار. اهـ ملخصا
اليوم أنفه وأذناه في سبيل الله تعالى (وسعد) بالجر معطوف على (المجدّع) الواقع مضافا إليه، وهو سيدنا سعد بن أبي وقاص (المفتدى) أي: الذي افتداه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأبويه، ولم يفد بهما غيره، قيل: والزّبير يوم الخندق.
وفاعل قوله: (سأل) عائد على كلا الواقع مبتدأ، خبره جملة سأل (ربّ العرش) عز وجل (منهم أسدا) أي: رجلا شجاعا يقاتل كل منهما في سبيله تعالى.
وذلك ما حدّث به سعد: أنّه لقي يوم أحد أوّل النهار عبد الله بن جحش، فخلا به، وقال له عبد الله: يا سعد؛ هلمّ فلندع الله، وليذكر كل منا حاجته في دعائه، وليؤمّن الآخر، قال سعد: فدعوت الله أنّي ألقى فارسا شديدا بأسه، شديدا حرده «1» فأقتله، وآخذ سلبه، فقال: اللهمّ؛ آمين، ثمّ استقبل عبد الله القبلة، ورفع يديه إلى السّماء، وقال: اللهمّ؛ لقّني فارسا شديدا بأسه، شديدا حرده، يقتلني ويجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدا تقول لي: يا عبد الله؛ فيم جدع أنفك؟ فأقول:
فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت، قل يا سعد: آمين، قال: فقلت: آمين، ثمّ مررت به آخر النهار قتيلا مجدوع الأنف والأذنين، وإنّ أنفه وأذنيه معلّقتان في خيط، ولقيت أنا فلانا من المشركين، فقتلته، وأخذت سلبه.
(1) بفتح الحاء والراء؛ أي: شديدا غضبه.
أمّا المجدّع فللشّهاده
…
وسعد الفتك به أراده
وإذ أبو رهم الغفاريّ نحر
…
بريقه في الحين قام مستمر
وإلى ذلك أشار بقوله: (أمّا المجدع فللشهادة) كان سؤاله، فظفر بها (و) أمّا (سعد) فأراد (الفتك به) فهو مفعول لفعل مقدر يفسره قوله:(أراده) .
والفتك: هو ارتكاب ما همّ من الأمر، وانتهاز الفرصة بالقتل، وهو المراد هنا، وهذا ليس من تمنّي الموت المنهي عنه، وإنّما يكون المنهي عنه لضرّ نزل به، وقاتل عبد الله كما في «الإصابة» أبو الحكم ابن الأخنس بن شريق لعنه الله تعالى وقد قتل يومئذ والحمد لله، وكانت سنّ سيدنا عبد الله بن جحش يومئذ بضعا وأربعين سنة، ودفن مع خاله سيدنا حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد رضي الله عنهما.
(وإذ أبو رهم) بضم الراء مع إسكان الهاء، وهو سيدنا كلثوم بن الحصين (الغفاري نحر) بالبناء للمفعول؛ أي:
أصابه سهم في نحره.
(بريقه) صلى الله عليه وسلم، وهو يتعلق بقوله: قام (في الحين) أي: في وقته (قام مستمر) أي: قام مستمرا بالبرء في حين بصق عليه صلى الله عليه وسلم، وأبو رهم هذا هو الذي استخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة لمّا توجه إلى فتح مكّة، هو ممّن بايع تحت الشجرة.