الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخذ المفتاح ثمّ ردّه
…
عن رغم قومه الّذين عنده
عبد الله بن محمّد النقيب المقدسيّ: إنّ الله تعالى لمّا أعلم رسوله صلى الله عليه وسلم بأنّه قد أنجز له وعده بالنصر على أعدائه، وفتحه مكة، وإعلاء كلمة دينه، أمره إذا دخل مكة.. أن يقول: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ فصار صلى الله عليه وسلم يطعن الأصنام التي حول الكعبة بمحجنه «1» ويقول: «جاء الحق، وزهق الباطل» فيخر ساقطا، مع أنّها كلها كانت مثبتة بالحديد والرصاص، وكانت ثلاث مئة وستين صنما، بعدد أيام السنة) .
خلود سدانة الكعبة في بني طلحة:
(وأخذ) النّبيّ صلى الله عليه وسلم من عثمان بن طلحة على الأصح- يوم الفتح (المفتاح) للكعبة، وكان عند أمه محفوظا، وقد أبت أن تسلّمه إيّاه، فقال عثمان: والله لتعطينّه، أو ليخرجنّ هذا السيف من صلبي، فأعطته إياه، فجاء به إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فدفعه إليه، ففتح الباب، (ثمّ ردّه) أي: ردّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم المفتاح إلى عثمان بن طلحة، وقال:«خذوها- أي: سدانة الكعبة- خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلّا ظالم» .
ولمّا خرج صلى الله عليه وسلم من البيت.. سأله العباس
(1) المحجن بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم: عصا محنية الرأس.
أن يعطيه المفتاح، ويجمع له بين السقاية «1» والسدانة فأبى، وإليه أشار بقوله:(عن رغم) بالراء مثلثة؛ أي: عن كره (قومه) وهم: العباس، وعلي، وبنو هاشم (الذين) كانوا (عنده) صلى الله عليه وسلم لمّا فتح البيت وخرج منه.
قال في «عيون الأثر» : (روينا عن سعيد بن المسيّب:
أنّ العباس تطاول يومئذ لأخذ المفتاح، في رجال من بني هاشم، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان) .
وقال الشهاب في «المواهب» : (عن ابن سعد في «طبقاته» عن عثمان بن طلحة، قال: كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الإثنين والخميس، فأقبل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس، فأغلظت له ونلت منه، فحلم عني، ثمّ قال:«يا عثمان؛ لعلّك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت» فقلت: لقد هلكت قريش يومئذ وذلّت، قال:«بل عمرت وعزّت يومئذ» ودخل الكعبة، فوقعت كلمته مني موقعا ظننت أنّ الأمر سيصير إلى ما قال.
قال: فلمّا كان يوم الفتح.. قال: «يا عثمان؛ ائتني بالمفتاح» فأتيته به، فأخذه مني ثمّ دفعه إليّ، وقال:
(1) السقاية: هي أحواض من جلد، يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاج، وربما يطرح فيها التمر والزبيب، فعل ذلك عبد المطلب لما حفر زمزم، وقام بها بعده العباس. والسدانة بفتح السين المشددة: هي خدمة البيت الحرام. اهـ
«خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلّا ظالم، يا عثمان:
إنّ الله استأمنكم على بيته، فكلوا ممّا يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف» «1» قال: فلمّا وليت.. ناداني، فرجعت إليه فقال:«ألم يكن الذي قلت لك؟ فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة: «لعلّك سترى هذا المفتاح يوما بيدي، أضعه حيث شئت» قلت: بلى، أشهد أنّك رسول الله) .
ومن شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه يهجو المشركين، ويمدح النّبيّ صلى الله عليه وسلم والأصحاب الكرام، ويذكرهم بفتح مكة، قوله رضي الله عنه:
عفت ذات الأصابع فالجواء
…
إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر
…
تعفّيها الروامس والسّماء
(1) هذا إن صحّ.. احتمل معناه: ما يأخذونه من بيت المال على خدمته والقيام بمصالحه، ولا يحل لهم إلّا قدر ما يستحقونه، وما يقصدون به من البر والصلة على وجه التبرر.. فلهم أخذه، وذلك أكل بالمعروف، فلا يذهب إلى الوهم جواز أخذ الأجرة على دخول الكعبة؛ فإنّه لا خلاف في تحريمه، كما حكاه في «شرح المواهب» عن المحب الطبري، وأقرّه، وقال: إنّ ذلك من أشنع البدع. قال الشمس الحطاب المالكي: والمحرم إنّما هو نزع المفتاح منهم، لا منعهم من انتهاك حرمة البيت وما فيه قلّة أدب، فهذا واجب لا خلاف فيه، لا كما يعتقد الجهلة أن لا ولاية لأحد عليهم، وأنّهم يفعلون في البيت ما شاؤوا، فهذا لا يقوله أحد المسلمين.
وكانت لا يزال بها أنيس
…
خلال مروجها نعم وشاء
فدع هذا، ولكن من لطيف
…
يؤرّقني إذا ذهب العشاء
لشعثاء الّتي قد تيّمته
…
فليس لقلبه منها شفاء
كأنّ سبيئة من بيت راس
…
يكون مزاجها عسل وماء
على أنيابها أو طعم غضّ
…
من التفّاح هصّره الجناء
إذا ما الأشربات ذكرن يوما
…
فهنّ لطيّب الراح الفداء
نولّيها الملامة إن ألمنا
…
إذا ما كان مغث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكا
…
وأسدا ما ينهنهنا اللّقاء
عدمنا خيلنا إن لم تروها
…
تثير النّقع موعدها كداء
يبارين الأعنّة مصعدات
…
على أكتافها الأسل الظّماء
تظلّ جيادنا متمطّرات
…
تلطّمهنّ بالخمر النّساء
فإمّا تعرضوا عنّا اعتمرنا
…
وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلّا فاصبروا لجلاد يوم
…
يعزّ الله فيه من يشاء
وجبريل رسول الله فينا
…
وروح القدس ليس له كفاء
وقال الله قد أرسلت عبدا
…
يقول الحقّ إن نفع البلاء
شهدت به فقوموا صدّقوه
…
فقلتم لا نقوم ولا نشاء
وقال الله قد سيّرت جندا
…
هم الأنصار عرضتها اللّقاء
لنا في كلّ يوم من معدّ
…
سباب، أو قتال، أو هجاء
فنحكم بالقوافي من هجانا
…
ونضرب حين تختلط الدماء
ألا أبلغ أبا سفيان عنّي
…
مغلغلة فقد برح الخفاء
بأنّ سيوفنا تركتك عبدا
…
وعبد الدّار سادتها الإماء
هجوت محمّدا فأجبت عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء
…
فشرّكما لخيركما الفداء
هجوت مباركا برّا حنيفا
…
أمين الله شيمته الوفاء
فمن يهجو رسول الله منكم
…
ويمدحه وينصره سواء
فإنّ أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمّد منكم وقاء
فإمّا تثقفنّ بنو لؤيّ
…
جذيمة إنّ قتلهم شفاء
أولئك معشر نصروا علينا
…
ففي أظفارنا منهم دماء
قال بعض من علّق على هذه القصيدة، عن مصعب الزّبيريّ: كان حسان قد ابتدأ هذه القصيدة في الجاهلية، ثمّ أكملها في الإسلام من عند قوله:(عدمنا خيلنا إن لم تروها) .
قلت: ويؤيده ما جاء أنّه مرّ بفتية يشربون الخمر في الإسلام فنهاهم، فقالوا: والله؛ لقد أردنا تركها، فيزينها لنا قولك:(ونشربها فتتركنا ملوكا) فقال: والله؛ لقد قلتها في الجاهلية، وما شربت منذ أسلمت.