الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله عليه وسلم.. أخذ بأذني وأنا على راحلتي يرفعها إلى السماء، حتى ارتفعت عن مقعدي وهو يقول:«وعت أذنك يا غلام، وصدّق الله حديثك، وكذّب المنافقين» وفي رواية: «هذا الذي أوفى الله بأذنه» ونزل: وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
فكان يقال لزيد بن أرقم رضي الله عنه: (ذو الأذن الواعية) .
وسيدنا زيد المذكور أنصاري، خزرجي، قيل: أول مشاهده هذه الغزوة، وشهد ما بعدها، وشهد صفينا كسجّين- مع سيدنا علي رضي الله عنه، وتوفي بالكوفة سنة ثمان وستين.
وذكر الإمام النووي في «تهذيبه» : أنّه استصغر يوم أحد، وكان يتيما في حجر ابن رواحة رضي الله عنه، وسار معه في غزوة مؤتة.
طلب عبد الله ابن رئيس المنافقين تولي قتل أبيه بنفسه:
ولما بلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ الذي كان من أمر أبيه.. أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ إنّه بلغني أنّك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت لا بدّ فاعلا.. فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا، فو الله؛ لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإنّي أخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ يمشي في الناس.. فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر، فأدخل النار، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا» .
وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث.. كان قومه هم الذين يعاتبونه ويعنّفونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم:«كيف ترى يا عمر؟ أما والله؛ لو قتلته يوم قلت لي اقتله.. لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته» قال: قال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أعظم بركة من أمري.
قال السهيلي: (وفي هذا العلم العظيم، والبرهان المنير من أعلام النبوة؛ فإنّ العرب كانت أشد خلق الله حميّة وتعصبا، فبلغ الإيمان منهم، ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده؛ تقربا إلى الله وتزلفا إلى رسوله، مع أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام أبعد الناس نسبا منهم، وما تأخّر إسلام قومه وبني عمه وسبق إلى الإيمان به الأباعد.. إلّا لحكمة عظيمة؛ إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الإيمان به.. لقيل: قوم أرادوا الفخر برجل منهم وتعصبوا له، فلمّا بادر إليه الأباعد، وقاتلوا على حبه من كان منهم أو من غيرهم.. علم أنّ ذلك عن بصيرة صادقة، ويقين قد تغلغل في قلوبهم، ورهبة من الله أزالت صفة قد كانت سدكت في نفوسهم من أخلاق الجاهلية، لا يستطيع إزالتها إلّا الذي فطر الفطرة الأولى، وهو القادر على ما يشاء) .
وأمّا عبد الله بن عبد الله: فكان من كتّاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه حباب، وبه كان يكنى أبوه، فسمّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، رضي الله عنه.
وروى الدّارقطني مسندا: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ على جماعة فيهم عبد الله بن أبيّ، فسلّم عليهم، ثمّ ولى، فقال عبد الله: لقد عتا ابن أبي كبشة في هذه البلاد، فسمعها ابنه عبد الله، فاستأذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أن يأتيه برأس أبيه، فقال:«لا، ولكن برّ أباك» .
وسيدنا عبد الله هذا كان ممّن شهد بدرا وأحدا والمشاهد، ذكره الحافظ في «الإصابة» وأنّه استشهد باليمامة في قتال أهل الردّة سنة اثنتي عشرة.
وفي قصته هذه ما يدل على عظيم إيمانه، وقوة محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قيل: نزل فيه وفي أمثاله من الصحابة الأجلّاء قول الله عز وجل: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ الآية.
وفيها تمجيد وتعديل من الله تعالى لأولئك الصحب، وثناء من قبله تعالى عليهم، وأنّ محبتهم له ولرسوله بلغت بهم ذلك المدى وتلك التضحية، وأنّه كتب الله في قلوبهم الإيمان، وأنّه أثبته وأيّدهم، وقواهم بروح منه هو النور،