الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالّذي قالوه في المؤذّن
…
وبالّذي به فضالة عني
الصفا، فعلا منه حتى يرى البيت، فرفع يديه، وجعل يحمد الله ويذكره، ويدعو بما شاء الله أن يدعو، والأنصار تحته، فقال بعضهم لبعض: أمّا الرجل.. فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي.. لم يخف علينا، فليس أحد من الناس يرفع طرفه إليه، فلمّا قضى الوحي.. قال:«يا معشر الأنصار» قالوا:
لبّيك يا رسول الله، قال:«قلتم: أمّا الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته؟» قالوا: قلنا ذلك يا رسول الله، قال:«فما اسمي إذا؟ كلّا، إنّي عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم» فأقبلوا إليه يبكون، يقولون: والله يا رسول الله، ما قلنا الذي قلنا إلّا الضّن «1» بالله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم:«فإنّ الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم» .
إخبار الله رسوله صلى الله عليه وسلم بما تحدثت به قريش عند أذان بلال:
(و) أخبر بارىء النسم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ب) الكلام (الذي قالوه) أي: قريش (في) سيدنا بلال بن
(1) قوله: (إلّا الضن) بكسر الضاد المعجمة، وشد النون؛ أي: البخل والشح به أن يشركنا فيه أحد غيرنا، قال في «شرح المواهب» لمّا نقل هذا الضبط عن الشامي: (ولعلّه الرواية، وإلّا.. ففتحها لغة أيضا، وكان ذلك وقع لطائفتين، فبادر بإخبار إحداهما لجزمها، وتلطّف في سؤال الأخرى لكونها لم تجزم، بل قالت: أترى
…
إلخ، و «يعذرانكم» بكسر الذال المعجمة: يقبلان عذركم) اهـ
رباح «1» (المؤذن) بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على
(1) واسم أمه حمامة، مولاة لبني جمح، شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عبدا لأميّة بن خلف، فأسلم مع أبي بكر، وزيد بن حارثة، وعلي، والسيدة خديجة. وأشار الحافظ السيوطي إلى الخلاف في أول من أسلم منهم مع الجمع بين الأقوال بقوله:
واختلفوا أوّلهم إسلاما
…
وقد رأوا جمعهم انتظاما
أول من أسلم في الرجال
…
صديقهم وزيد في الموالي
وفي النسا خديجة وذي الصغر
…
علي، والرق بلال اشتهر
وكان أميّة لعنه الله يعذّب بلالا، حتى كان يضجعه في الرمضاء ببطحاء مكة، ويطرح عليه الحجارة، ويقول له: لا تزال كذلك، أو تكفر بمحمّد وإلهه، وبلال يقول: أحد أحد، وقد نهى ورقة بن نوفل عن تعذيبه، ولمّا رأى أبو بكر ذلك عظم عليه الأمر، فكلم أميّة أن يعطيه نسطاسا عبدا لأبي بكر كثير الخراج، إلّا أنّه متمرد إذ ذاك ويأخذ بدله بلالا، ففعل، فأعتق أبو بكر بلالا لوجه الله تعالى، لا لنعمة عنده تجزى، إلّا ابتغاء وجه ربه الأعلى، قال سيدنا عمر رضي الله عنه: أبو بكر سيدنا أعتق سيدنا. قال بعضهم:
أبو بكر حباه الله مالا
…
فمذ دعى أجاب نعم بلا: لا
فكم واسى النبي بكل خير
…
وأعتق من ذخائره بلالا
فلو أنّ البحر يبغضه اعتقادا
…
لما أبقى الإله به بلالا
وكان من قضاء الله وقدره أنّ نسطاسا أسر يوم بدر، ثمّ أسلم بعد أحد رضي الله عنه، وأنّ بلالا قتل أميّة هذا الذي كان يعذبه، وولده عليا، ولذا هنّأه أبو بكر بقوله:
هنيئا زادك الرّحمن فخرا
…
لقد أدركت ثأرك يا بلال
وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا، وهو أول من أذن في الإسلام، واستمرّ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمّ-
ظهر الكعبة للظهر؛ ليغيظ المشركين، وقريش فوق رؤوس الجبال، وقد فرّ جماعة من وجوههم وتغيّبوا، وأبو سفيان، وعتاب بن أسيد- بفتح الهمزة- وأخوه خالد، والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، وقد أسلموا بعد رضي الله عنهم، فقال عتاب وخالد: لقد أكرم الله أسيدا أن لا يسمع هذا فيغيظه، وقال الحارث: أما والله؛ لو أعلم أنّه محق..
لاتّبعته، إن يكن الله يكره هذا.. فسيغيره، وقال أبو سفيان:
ذهب إلى الشام مجاهدا، قال النووي في «التهذيب» :(فأقام بها إلى أن توفي، وقيل: أذن لأبي بكر مرة، وأذن لعمر مرة، حين قدم عمر الشام، فلم يرباك أكثر من ذلك اليوم، وأذن في قدمة قدمها إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، طلب ذلك الصحابة، فأذن ولم يتم الأذان) . ثبت في «الصحيحين» : أنّه صلى الله عليه وسلم قال: «أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإنّي سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة؟» قال: ما عملت عملا أرجى عندي من أنّي لم أتطهّر طهورا في ساعة ليل أو نهار.. إلّا صلّيت بذلك الطهور ما كتب أن أصلي، ولمسلم بلفظ:«حشف نعليك» . وفي «الترمذي» : «يا بلال؛ بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط.. إلّا سمعت خشخشتك أمامي!
…
» إلخ. قال في «عمود النسب» :
ممّن عليه منّ بالشراء
…
والعتق فارتثّ من السواء
بلال السابق جيل الحبشة
…
ومن له وسط الجنان خشخشة
أذن للنّبيّ والعتيق
…
ومرة أذن للفاروق
فذكر النّبي فانهلت له
…
دموعهم لذاك ما استعمله
ومناقبه كثيرة، وفضائله شهيرة، توفي على الصحيح بالشام سنة عشرين، ولمّا حضره الموت.. جعل أهله يبكون ويقولون: واكرباه، فيقول بلال: واطرباه، غدا ألقى الأحبّه محمّدا وحزبه. رضي الله عنه، ولقانا به وأحبابنا، بمنّه وكرمه، آمين.