الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلفوا فيها فقيل أمّنت
…
والحقّ عنوة وكرها أخذت
هل فتح مكة كان عنوة أو صلحا
؟
ثمّ شرع يذكر الخلاف بين العلماء في مكة، هل كان فتحها عنوة أو صلحا؟ فقال:
(واختلفوا فيها) أي: في مكة (فقيل: أمنت) بالبناء للمجهول؛ أي: فتحت أمنا على أهلها وصلحا، وإليه ذهب الإمام الشافعيّ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«من دخل دار أبي سفيان.. فهو آمن، ومن أغلق عليه داره.. فهو آمن» حيث أضيفت الدور إلى أهلها، ولأنّها لم تقسم، ولأنّ الغانمين لم يملكوا دورها، وإلّا.. لجاز إخراج أهل الدور منها، وينبني على هذا القول: أنّ لأهلها بيع دورهم، وإكرائها (والحق عنوة) أي: فتحت بالاستعانة بالسلاح (وكرها أخذت) بالكره من قريش بالخيل والركاب، وإنّما كان هذا هو الحق.. لأنّه قول الجمهور، ولقوة الدليل.
قال في «المواهب» و «شرحها» : (وحجتهم ما وقع التصريح به في الأحاديث الصحيحة من الأمر بالقتال، ووقوعه من خالد بن الوليد، وتصريحه عليه الصلاة والسلام بأنّها أحلّت له ساعة من نهار، ونهيه عن التأسّي به في ذلك؛ لأنّه من خصائصه، فهذه أربع حجج قوية، كل منها بانفراده كاف في الحجّية) اهـ
وعلى هذا القول: لا يجوز لأهل مكة بيع دورهم وكراؤها، بل هي مناخ لمن سبق، كما روي ذلك عن أمنا
عائشة رضي الله عنها، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر بنزع أبواب دور مكة إذا قدم الحاج، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بمكة أن ينهى أهلها عن كراء دورها إذا جاء الحاج؛ فإنّ ذلك لا يحلّ لهم، وقال الإمام مالك رحمه الله: إن كان الناس ليضربون فساطيطهم بدور مكة، لا ينهاهم أحد.
قال السّهيليّ بعد هذا: (وهذا كله منتزع من أصلين:
أحدهما: قوله تبارك وتعالى: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ قال ابن عمر وابن عباس: الحرم كله مسجد.
والأصل الثّاني: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخلها عنوة، غير أنّه منّ على أهلها بأنفسهم وأموالهم، ولا يقاس عليها غيرها من البلاد، كما ظنّ بعض الفقهاء؛ فإنّها مخالفة لغيرها من وجهين:
أحدهما: ما خصّ الله به نبيه؛ فإنّه قال: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ.
والثّاني: ما خصّ الله به مكة؛ فإنّه جاء: «لا تحل غنائمها، ولا تلتقط لقطتها، وهي حرم الله تعالى وأمنه» فكيف تكون أرضها أرض خراج؟ فليس لأحد افتتح بلدا أن يسلك به سبيل مكة، فأرضها إذن ودورها لأهلها، ولكن أوجب الله عليهم التوسعة على الحجيج إذا قدموها،