الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشتدون، ورسوله الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة، فقال: خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر، فأتي بعبد الله، فحمله بين يديه، وجعل الناس يحثون التراب على الجيش، ويقولون: يا فرّار، فررتم في سبيل الله؟! فيقول رسول الله:«ليسوا بالفرار، ولكنّهم الكرّار إن شاء الله تعالى» .
التعريف بالأمراء الثلاثة:
وحيث حدابنا المقام إلى هؤلاء الأمراء الثلاثة.. فلا بأس أن نلمّ بشيء من التعريف بهم؛ تيمّنا بذكراهم وإن كانوا في غنية عن التعريف؛ لشرفهم العظيم بالانتساب الحقيقي إلى الجناب النبويّ، رضوان الله تعالى عليهم، لكنّا في شديد الحاجة إلى معرفة حياتهم في ذلك العصر النبويّ؛ لنقتفي آثارهم، ونتيمّن بمآثرهم، ونعطر النواحي بأريج شذاهم، فأقول، وبهم على العدا أصول:
زيد بن حارثة:
أمّا سيدنا زيد: فهو ابن حارثة بن شراحيل- بفتح الشين- ابن كعب الكلبيّ نسبا، القرشيّ بالولاء، حبّ رسول الله، وأبو حبّه، وأمّه سعدى بنت ثعلبة من بني معن من طيء، يقال: إنّها زارت قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية على أبيات بني معن، فاحتملوا زيدا وهو غلام يفعة، فأتوا به في سوق عكاظ، فعرضوه
للبيع، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربع مئة درهم، وهو ابن ثمان سنين، كما قاله في «تهذيب الأسماء» فلمّا تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهبته له، وكان أبوه حارثة حين فقده قال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل
…
أحيّ فيرجى أم أتى دونه الأجل
من أبيات استوفاها الحافظ ابن عبد البر في «الإستيعاب» ثمّ إنّه حجّ ناس من كلب، فرأوا زيدا، فعرفهم وعرفوه، فقال: أبلغوا أهلي هذه الأبيات:
أحنّ إلى قومي وإن كنت نائيا
…
فإنّي قعيد البيت عند المشاعر
فكفّوا من الوجد الذي قد شجاكم
…
ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإنّي بحمد الله في خير أسرة
…
كرام معدّ، كابرا، بعد كابر
فانطلقوا فأعلموا أباه، ووصفوا له موضعه، فخرج حارثة وكعب أخوه بفدائه، فقدما مكة، فسألا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقيل: هو في المسجد، فدخلا عليه، فقالا:
يا ابن عبد المطلب، يا ابن سيد قومه؛ أنتم أهل حرم الله:
تفكّون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ولدنا عبدك، فامنن علينا، وأحسن في فدائه، قال:«وما ذاك؟» قالوا:
زيد بن حارثة، فقال:«أو غير ذلك؟ ادعوه فخيّروه، فإن اختاركم.. فهو لكم بغير فداء، وإن اختارني.. فو الله؛ ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء» قالوا: زدتنا على النّصف، فدعاه، فقال:«هل تعرف هؤلاء؟» قال: نعم، هذا أبي، وهذا عمي، قال:«فأنا من قد رأيت صحبتي لك، فاخترني أو اخترهما» فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني بمكان الأب والعم، فقالا: ويحك! أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟! فقال: نعم؛ إنّي قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا، فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.. أخرجه إلى الحجر فقال:«اشهدوا أنّ زيدا ابني، يرثني وأرثه» فلمّا رأى ذلك أبوه وعمه.. طابت أنفسهما وانصرفا، فدعي زيد بن محمّد، حتى جاء الله بالإسلام وأنزل قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ الآية.
ولمّا تبنّاه.. زوّجه صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أميمة بنت عبد المطلب، قال ابن عمر رضي الله عنهما: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلّا زيد بن محمّد حتى نزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ أخرجه البخاريّ.
قال الحافظ في «الإصابة» : (ويقال: إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمّاه زيدا؛ لمحبة قريش في هذا الاسم، وهو اسم قصيّ) .